رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
أيمن شعيب

طرح القلم

التحول الذكي في فكر وإدارة التغذية الحيوانية


  • 4-11-2025 | 13:27

.

طباعة

أ.د. عبد العزيز نور

 أستاذ تغذية الحيوان والأسماك- كلية الزراعة جامعة الإسكندرية ورئيس مجلس إدارة جمعية البيئة العربية

 في ظل التحولات العالمية المتسارعة في الأمن الغذائي، والمناخ، والموارد الطبيعية، لم يعد المطلوب هو إطعام الحيوان فحسب، بل أصبحت مفاهيم التغذية المستهدفة والتغذية المستدامة هي الركيزة الجديدة في تطوير نظم الإنتاج الحيواني الحديثة.

إنها إدارة دقيقة لتغذية الحيوان بدقة علمية تراعي احتياجاته الفسيولوجية والبيئية والاقتصادية في آنٍ واحد.

أولاً: مفهوم التغذية المستهدفة (Targeted Nutrition)

التغذية المستهدفة هي نهج علمي متطور يعتمد على فهم عميق لاحتياجات الحيوان الدقيقة. حيث تُصمم العليقة لتوفير الكمية المثالية من كل عنصر غذائي (طاقة، بروتين، ألياف، معادن، فيتامينات) في الوقت المناسب وبالتركيبة المناسبة.

جوهر الفكرة هو أن لا يُعطى الحيوان أكثر مما يحتاج، ولا أقل مما يتطلبه نموه أو إنتاجه، مما يحقق توازنًا بين الكفاءة العلفية، والأداء الإنتاجي، وصحة الحيوان.

ويتم هذا بالاعتماد على التحليل الكيميائي الحيوي للأعلاف، وبرامج التوازن الغذائي الرقمية، ووسائل الاستشعار الحيوي (Biosensing).

الفوائد العلمية والعملية: تُعد هذه المقاربة نقلة من التغذية الكمية إلى النوعية الدقيقة، حيث ترفع كفاءة التحويل العلفي بنسبة تصل إلى bm{25 %}، وتقلل فقد البروتين والتلوث الناتج عن الإفرازات النيتروجينية والفوسفورية بنسبة bm{30 - 40 %}، وتخفض التكاليف وتحسن استقرار الجهاز الهضمي.

ثانياً: مفهوم التغذية المستدامة (Sustainable Nutrition)

التغذية المستدامة تقوم على فكرة أوسع من مجرد الكفاءة الغذائية؛ فهي تهدف إلى إنتاج الغذاء الحيواني بأقل أثر بيئي وأعلى مردود اقتصادي واجتماعي.

إنها رؤية متكاملة تسعى لتحقيق توازن بين الإنتاج والموارد والطبيعة عبر إعادة التفكير في مصادر الأعلاف وآليات إنتاجها.

محاور التغذية المستدامة الأساسية: تشمل هذه المحاور تنويع مصادر البروتين العلفي عبر إدخال بدائل مبتكرة مثل يرقات الذبابة السوداء (BSFL) والطحالب الدقيقة، وتحسين كفاءة استخدام المياه والطاقة بالاعتماد على أنظمة الزراعة المائية (Hydroponics).

كما تركز على تقييم دورة الحياة البيئية للإنتاج (LCA) للحد من الانبعاثات، بالإضافة إلى إعادة تدوير المخلفات الزراعية والحيوانية لإنتاج طاقة حيوية وأسمدة عضوية، مما يخلق نظامًا دائريًا مغلقًا.

ثالثاً: التكامل والذكاء الشامل في التغذية

الدمج بين التغذية المستهدفة والمستدامة يمثل أعلى درجات التطور في علم التغذية الحيوانية. فبينما تركز التغذية المستهدفة على الكفاءة الداخلية (داخل جسم الحيوان)، تهتم المستدامة بـ الكفاءة الخارجية (منظومة الموارد والبيئة).

وحين تتكاملان، ينتج نموذج إنتاج حيواني ذكي يتميز بما يلي: يتم تصميم علائق ذكية مخصصة لكل فئة إنتاجية ومرحلة عمرية، مع استخدام إضافات غذائية ذكية مثل الإنزيمات والمستخلصات النباتية لتحسين الهضم وخفض انبعاث الميثان.

هذا النظام المتكامل يعتمد على نظم تغذية رقمية تتابع استهلاك الحيوان لحظيًا وتعدل نسب الخلط أوتوماتيكيًا، بالإضافة إلى إدارة متكاملة للمخلفات الحيوانية لإنتاج طاقة حيوية (Biogas) وأسمدة عضوية، مما يغلق دائرة الكفاءة البيئية ويعظم الاستفادة من كل مدخل إنتاجي.

رابعاً: الأثر المستقبلي

إن تطبيق مبادئ التغذية المستهدفة والمستدامة يعني تحول المزرعة إلى منظومة ذكية متكاملة، تعتمد على العلم والتقنية في اتخاذ قراراتها، وتحقق توازنًا بين الربحية، الإنتاج، وصون البيئة. وهو ما يتماشى مع رؤية التنمية المستدامة 2030، التي تضع في أولوياتها القضاء على الجوع، والاستهلاك والإنتاج المسؤول، والعمل المناخي.

الخلاصة التغذية المستهدفة والمستدامة ليست مجرد أدوات فنية، بل هي فكر جديد لإدارة الحياة والإنتاج.

إنها انتقال من سؤال "كم نطعم؟" إلى "كيف ولماذا نطعم؟". إنها ببساطة الذكاء في التغذية.. والاستدامة في الحياة، وتمثل الخطوة الأولى نحو زراعة ذكية خضراء تحقق أمنًا غذائيًا مستقبليًا دون استنزاف موارد كوكبنا.

اخر اصدار

67