أعربت المنظمة العالمية للموالح (WCO) عن قلقها العميق من تزايد فرض متاجر التجزئة الأوروبية الكبرى لمعايير خاصة وغير علمية تتعلق بسلامة الأغذية، مؤكدة أن هذه الممارسات تُهدد استدامة قطاع الموالح وتُعرض سبل عيش الملايين من المزارعين حول العالم، بما فيهم المنتجون في مصر والدول العربية المصدرة.
ووفقًا لتقرير صادر عن المنظمة نُشر في 1 أكتوبر 2025، فإن بعض سلاسل البيع بالتجزئة في أوروبا — مثل Tesco وFood Expert وغيرها — بدأت خلال السنوات الأخيرة بفرض حدود قصوى لمتبقيات المبيدات (MRLs) أكثر صرامة من تلك التي تقرّها التشريعات الأوروبية الرسمية أو المرجعيات العلمية المعتمدة مثل هيئة سلامة الأغذية الأوروبية (EFSA) ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO).
هذه الإجراءات، بحسب التقرير، تتعارض مع الأسس العلمية وتُقوّض دور الجهات المختصة الرسمية في الدول المنتجة والمستوردة على حدّ سواء، وتُضعف الثقة في الأطر التنظيمية التي تضمن سلامة وجودة المنتجات الزراعية عالميًا.
- انعكاسات اقتصادية وزراعية عالمية
أوضحت المنظمة أن هذه المعايير الخاصة لم تأتِ بناءً على تقييمات مخاطر علمية، بل نتيجة ضغوط تنافسية وتسويقية من بعض سلاسل التوريد الكبرى التي تسعى لتقديم “صورة خضراء” للمستهلك الأوروبي دون دراسة كافية للتأثيرات الواقعية على الإنتاج الزراعي.
ووفقًا لتقديرات المنظمة العالمية للحمضيات، يُنتج العالم سنويًا نحو 135 مليون طن من الموالح على مساحة تقارب 10 ملايين هكتار، وتبلغ قيمة التجارة العالمية في هذا القطاع أكثر من 50 مليار دولار أمريكي سنويًا. ومع ذلك، تشير البيانات إلى أن نحو 15% من الصادرات تواجه قيودًا أو رفضًا في بعض الأسواق بسبب المعايير الخاصة التي تفرضها متاجر التجزئة، وليس بسبب اللوائح القانونية الرسمية.
تُعد مصر من أكبر خمس دول مصدّرة للحمضيات عالميًا، حيث تصدر سنويًا أكثر من 1.8 مليون طن إلى أكثر من 100 دولة، وتشكل الموالح المصرية – وخاصة البرتقال – نحو 40% من إجمالي صادرات الفاكهة الطازجة المصرية.
غير أن التقرير أشار إلى أن المعايير الخاصة لمتبقيات المبيدات التي تفرضها بعض المتاجر الأوروبية تُشكل تحديًا متزايدًا أمام المزارعين المصريين.
ففي حين تلتزم مصر، عبر الجهات المختصة مثل وزارة الزراعة وهيئات الرقابة على الصادرات، بتطبيق لوائح الاتحاد الأوروبي الرسمية وتحديث الحدود القصوى وفق التشريعات المعتمدة، فإن المتطلبات الخاصة التي تضعها بعض الشركات تُجبر المنتجين على استخدام استراتيجيات مكافحة محدودة، مما يزيد من مخاطر انتشار الآفات نتيجة القيود المفروضة على المواد الفعالة القانونية.
وأكد التقرير أن هذه القيود “قد تُضعف فعالية برامج المكافحة المتكاملة للآفات (IPM)” وتُؤدي إلى ارتفاع الخسائر الإنتاجية بنسبة تتراوح بين 10 و15% في بعض المناطق المصدّرة نتيجة عدم قدرة المزارعين على استخدام المبيدات المصرح بها علميًا.
- تجاوز القانون والمرجعيات العلمية
تُسلط ورقة الموقف التي أصدرتها المنظمة الضوء على ثلاث قضايا محورية تواجه القطاع:
1. حظر المواد الفعالة القانونية:
فرض بعض المتاجر حظرًا على استخدام مبيدات مسجلة ومرخصة من قبل الجهات المختصة في الاتحاد الأوروبي والدول المنتجة، مما يهدد برامج مكافحة الأمراض الفيروسية والفطرية والحشرية.
2. تشديد حدود المتبقيات (MRLs):
وضع حدود أقل من تلك التي يقرّها التشريع الأوروبي الرسمي، وهو ما يتنافى مع المعايير المرجعية المشتركة بين هيئة EFSA والـFAO، ويؤدي إلى رفض شحنات سليمة علميًا.
3. الحد من عدد المتبقيات المسموح بها في التحليل الواحد:
إذ تشترط بعض المتاجر وجود عدد محدود جدًا من المواد القابلة للكشف، ما يجعل نظام الإدارة المتكاملة للآفات غير قابل للتطبيق عمليًا، ويزيد من احتمالات ظهور المقاومة الحيوية للآفات.
- تغير المناخ... معركة مزدوجة
أشار التقرير إلى أن تغير المناخ فاقم من تعقيد المشهد، حيث أدى إلى ظهور آفات وأمراض جديدة تتطلب تدخلات وقائية أكثر دقة. لكن القيود التجارية التي تفرضها الأسواق الأوروبية تجعل العديد من الدول المنتجة — ومنها مصر، المغرب، وجنوب إفريقيا — عاجزة عن استخدام الوسائل العلمية المتاحة لمواجهة هذه التحديات.
وقدّر الخبراء أن القيود الحالية قد تُؤدي إلى ارتفاع الهدر الغذائي بنسبة تصل إلى 20% في سلاسل التوريد، نتيجة رفض الشحنات أو انخفاض جودة الثمار أثناء النقل بسبب ضعف المعالجة الوقائية.
- دعوة للحوار والتنسيق الدولي
دعت المنظمة العالمية للحمضيات متاجر التجزئة الأوروبية إلى التوقف عن فرض معايير خاصة بمعزل عن الجهات المختصة، والعودة إلى الأطر القانونية القائمة على العلم. كما حثت على تعزيز الحوار بين المنتجين والمستوردين لتفادي مزيد من الارتباك في الأسواق وتفاقم الأعباء الاقتصادية على المزارعين.
وأوضحت المنظمة أن تطبيق هذه المعايير الخاصة دون توافق رسمي يهدد بتقويض الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق الأمن الغذائي والاستدامة الزراعية، خصوصًا في ظل أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDGs) التي تدعو إلى “إنتاج غذاء آمن ومتاح للجميع دون إضرار بالبيئة أو التجارة العادلة”.
- نحو توازن بين الجودة والتجارة العادلة
أكد التقرير أن حماية المستهلك الأوروبي من خلال الغذاء الآمن هي هدف مشروع ومهم، إلا أن ذلك يجب أن يتم من خلال قنوات علمية رسمية وليس عبر معايير تسويقية متغيرة تفرضها الشركات الكبرى مثل Tesco أو Food Expert وغيرها، والتي غالبًا ما تضع شروطًا تتجاوز الأطر القانونية بهدف تحسين صورتها البيئية دون اعتبار للتأثيرات الاقتصادية على المنتجين.
وفي المقابل، شددت المنظمة على ضرورة تمكين الجهات المختصة الوطنية في الدول المنتجة – مثل وزارات الزراعة وهيئات الرقابة على الصادرات – من المشاركة الفاعلة في صياغة أي تعديلات على معايير السلامة، بما يضمن توازنًا حقيقيًا بين سلامة المستهلك واستدامة المنتج الزراعي.
إن قضية المعايير الخاصة لسلامة الأغذية تمثل تحديًا متناميًا أمام قطاع الموالح العالمي، إذ إنها لا تؤثر فقط على التجارة بل تمتد لتشمل الاستدامة البيئية، وصمود المزارعين، وأمن الغذاء في الدول النامية.
ويبدو أن الحل يكمن في شراكة دولية متوازنة تقوم على العلم والشفافية، لا على الضغط التجاري أو المنافسة التسويقية.
فاستدامة الموالح — أحد أهم قطاعات الفاكهة عالميًا — لا تتحقق بتشديد القيود، بل ببناء جسور ثقة بين المنتج والمستهلك عبر العلم والتعاون الدولي.