رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
أيمن شعيب

طرح القلم

بين البلدي والهولشتاين… هل الأبقار الخليطة هي الحل الذكي لمستقبل الألبان في مصر؟


  • 29-10-2025 | 12:08

د. عبد العزيز نور

طباعة
  • د. عبد العزيز نور-أستاذ تغذية الحيوان والأسماك رئيس مجلس إدارة جمعية البيئة العربية

يمر قطاع الألبان في مصر بمرحلة تحوّل حاسمة مع تصاعد الدعوات لاستبدال الأبقار البلدية منخفضة الإنتاج بسلالات أجنبية عالية الإنتاجية مثل الهولشتاين الفريزيان.

لكن التجربة أثبتت أن النجاح لا يعتمد على السلالة وحدها، بل على مدى توافقها مع البيئة المحلية والإمكانات الاقتصادية للمزارع.

وبينما تمثل الأبقار الهولشتاين ذروة الكفاءة الإنتاجية، فإن الأبقار الخليطة (البلدي × الفريزيان) قد تكون الخيار الأذكى والأكثر توازنًا بين الإنتاج المرتفع والتحمل البيئي والاستدامة.

 

الفروق الفنية :

 

الأبقار البلدية المصرية تمتاز بقدرتها الكبيرة على تحمل الحرارة، ومقاومتها العالية للأمراض، وانخفاض تكاليف تربيتها، لكنها تعاني من ضعف في إنتاج الحليب الذي لا يتجاوز في المتوسط 500 إلى 700 كيلوجرام سنويًا.

أما الأبقار الخليطة الناتجة عن تهجين البلدي بالفريزيان فتُظهر تحسنًا ملحوظًا في الإنتاجية، إذ يصل متوسط إنتاجها إلى 1.8 إلى 2.5 طن من الحليب سنويًا، مع احتفاظها بقدرة جيدة على التحمل ومعدلات خصوبة عالية.

في المقابل، تصل إنتاجية الأبقار الهولشتاين في المزارع التجارية إلى ما بين 10 إلى 13 طنًا سنويًا، لكنها تتطلب نظم إدارة متطورة، وتغذية مكثفة، وبيئة خالية من الإجهاد الحراري.

 

التحليل الاقتصادي للعائد والتكلفة:

 

عند حساب الجدوى الاقتصادية، نجد أن البقرة البلدية تحقق عائدًا سنويًا يقارب 15 ألف جنيه من الحليب، مقابل نحو 55 ألف جنيه للبقرة الخليطة، في حين تصل عوائد البقرة الهولشتاين إلى أكثر من 270 ألف جنيه سنويًا في المزارع المتخصصة.

لكن العبرة ليست بالعائد الإجمالي فقط، بل بصافي الربح بعد خصم التكاليف.

فالهولشتاين تستهلك أعلافًا مكثفة تتجاوز قيمتها 80 ألف جنيه سنويًا، وتحتاج إلى خدمات تبريد ورعاية بيطرية عالية الكلفة، بينما تكتفي البقرة الخليطة بعليقة متوسطة التكلفة لا تتجاوز 25 ألف جنيه سنويًا، وتبقى البقرة البلدية الأرخص من حيث الإنفاق لكنها الأقل ربحية.

وعند المقارنة بين الربح الصافي والمخاطر التشغيلية، يظهر أن الهجين البلدي–الفريزيان يحقق أفضل توازن بين الكفاءة الإنتاجية والاستقرار المالي، خصوصًا في المزارع الصغيرة والمتوسطة.

 

التحليل الفني والإداري:

يتطلب الهولشتاين إدارة معقدة تشمل التبريد المستمر، وتوفير علائق دقيقة التركيب، ومتابعة بيطرية دائمة لتجنب الأمراض الإنتاجية مثل التهاب الضرع واضطرابات الخصوبة.

أما الأبقار البلدية والخليطة فتمتاز بمرونة أكبر، إذ يمكنها التكيف مع نقص الأعلاف الخضراء والحرارة العالية، وتُظهر معدلات خصوبة وأمان ولادة أعلى.

وبذلك، فإن الأبقار الخليطة تمثل الخيار المثالي للمزارع الريفية وشبه التجارية التي تفتقر إلى إمكانيات التبريد والتغذية المركزة على مدار العام.

 

العوامل البيئية والاقتصادية المؤثرة:

خلال العقدين الماضيين، أصبحت تكاليف الأعلاف العامل الأكثر تأثيرًا في تحديد ربحية قطاع الألبان في مصر، حيث تمثل أكثر من 60% من إجمالي التكاليف التشغيلية.

ومع اعتماد السوق المحلي على استيراد معظم مكونات الأعلاف، أصبحت السلالات عالية الكفاءة في استهلاك العلف، مثل الأبقار الخليطة، أكثر جدوى واستدامة.

أما مناخيًا، فإن الإجهاد الحراري في الصيف يؤدي إلى انخفاض إنتاج الحليب في الهولشتاين بنسبة قد تصل إلى 30%، بينما تتأثر الأبقار الخليطة بدرجة أقل بكثير.

كذلك تلعب برامج التحسين الوراثي والتلقيح الصناعي التي تشجعها الدولة دورًا محوريًا في تطوير سلالات محلية هجينة قادرة على تحقيق إنتاجية عالية بتكاليف مقبولة.

 

التوصية العلمية والاقتصادية:

التحليل المتكامل يوضح أن الاستبدال الكامل للأبقار البلدية بالهولشتاين ليس الخيار الأمثل في الظروف المصرية الحالية، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الأعلاف وضعف البنية التحتية في الريف.

البديل الأنسب هو الاستبدال الجزئي والتحسين الوراثي التدريجي عبر الهجن المنتخبة التي تجمع بين الدم الفريزياني والصفات المحلية.

فهذا الأسلوب يتيح رفع إنتاج الحليب تدريجيًا دون المخاطرة برأس المال أو فقدان التكيف البيئي للسلالات المحلية.

 

رؤية مستقبلية:

يمكن لمصر خلال العقد المقبل أن تضاعف إنتاجها من الألبان إذا تبنّت سياسة وطنية متكاملة تقوم على:

1. تعميم إنتاج وتوزيع العجلات الخليطة ضمن برامج التحسين الوراثي.

2. تشجيع إنتاج الأعلاف المحلية لتقليل الاعتماد على الاستيراد.

3. تدريب صغار المربين على أسس التغذية والإدارة الحديثة.

4. تحفيز التحول التدريجي للمزارع الريفية إلى وحدات إنتاجية أكثر كفاءة واستدامة.

 

الخلاصة:

في نهاية المطاف، ليست القضية في “أي سلالة تنتج أكثر”، بل في أي نظام إنتاج يحقق استدامة اقتصادية وبيئية حقيقية.

الأبقار البلدية تمثل الجذر الصلب للثروة الحيوانية المصرية، والهولشتاين تجسد الطموح الإنتاجي الكبير، أما الأبقار الخليطة فهي المعادلة الذكية التي توفق بين الطموح والواقع.

إن مستقبل الألبان في مصر لن يُبنى على الاستيراد وحده، بل على العلم، والتحسين الوراثي المحلي، والإدارة الرشيدة التي تحترم البيئة وتخدم المربي والمستهلك معًا.

اخر اصدار

67