يعد زيادة الإنتاج الزراعى وتحقيق الاكتفاء الذاتى من الغايات الاستراتيجية التى تتسابق عليها دول العالم لتحقيق استدامة الأمن الغذائى على المدى البعيد وفى الأونة الأخيرة، لم يعد الهدف تحقيق الإنتاج الزراعى فقط ولكن تحقيقه بأقل أثر بيئى ممكن، وفى ظل الآثار السلبية للتغيرات المناخية على قطاع الزراعة لابد من قياس الأثر الخاص بأنشطتنا اليومية على البيئة.
فكل ما نقوم به من أنشطة مثل الإنتاج أو الاستهلاك أو الانتقال من مكان لأخر يترك أثرا غير مرئى أو غير مباشر فى الغلاف الجوى على شكل غازات تسهم فيما بعد فى ارتفاع درجات الحرارة فيما يسمى بظاهرة الاحتباس الحرارى، ومن هنا يأتى أهمية معرفة مفهوم البصمة الكربونية كمؤشر بيئى أساسى لتقييم وقياس كمية الانبعاثات الناتجة من أنشطة الأفراد أو المؤسسات أو العمليات المختلفة بشكل عام والهدف الرئيسى من ذلك هو توعية المجتمعات والأفراد إلى تقليل التأثير السلبى على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة، من ناحية أخرى يواجه قطاع الزراعة تحديا كبيرا فى ظل وجود الآفات الخطيرة والتى تؤدى إلى انخفاض الجودة والإنتاجية فى الإنتاج الزراعى وفى ظل استخدام الطرق التقليدية وأدوات المكافحة غير المدروسة مثل المبيدات الكيميائية التقليدية فقد يكون هذا مصدرا لانبعاث الغازات الدفيئة والتأثير السلبى على البيئة والبصمة الكربونية، وهنا تظهر الحاجة الضرورية لإبرام التوازن بين المضى قدما فى زيادة الإنتاج الزراعى وحماية البيئة فى نفس الوقت.
ولفهم العلاقة بين مكافحة الآفات والبصمة الكربونية لابد من توضيح كيف تسهم العمليات المرتبطة بمكافحة الآفات بزيادة الانبعاثات الكربونية وتأثيرها على البيئة، حيث إن إنتاج وتصنيع ونقل المبيدات يستهلك كميات كبيرة من الطاقة مما يؤدى إلى انبعاث غازات دفيئة خاصة غاز ثانى أكسيد الكربون ناهيك عن عمليات تصنيع المبيدات والتى تمر بعمليات صناعية كثيفة الكربون، وأيضا الآلات والمعدات المستخدمة فى عمليات المكافحة خاصة رش المبيدات تعتمد فى الغالب على السولار أو البنزين مما يزيد من الانبعاثات الكربونية، بالاضافة إلى ذلك فإن الاستخدام غير المسؤول والمفرط والمتكرر للمبيدات يؤدى إلى ظهور صفة مقاومة الآفات لفعالية المبيدات وهذا يستدعى زيادة فى الكميات وتكرار عمليات رش المبيدات مما يؤدى إلى زيادة الانبعاثات، وقد يحدث نتيجة لهذا الاستخدام غير المسؤول أيضا خفض لتعداد الكائنات الحية الغير مستهدفة والنافعة مثل المفترسات والطفيليات ونحل العسل مما يؤدى الى خلل جسيم فى التوازن الطبيعى بالنظام البيئى وهى وسائل طبيعية موجودة فى الطبيعة لمكافحة الآفات وقد يؤدى انخفاض وجودها إلى استخدام المبيدات بكميات كبيرة مما يؤثر على التربة والمياه نتيجة لتساقط رذاذ المبيد أو التسريب وبالتالى فقد يحدث انخفاض فى خصوبة التربة وانخفاض قدرتها على امتصاص الكربون والتى تعتبر أحد أهم المصارف الطبيعية للكربون فى الطبيعة، أيضا التخلص الغير الآمن لعبوات المبيدات بحرقها أو دفنها تحت سطح التربة يؤدى إلى زيادة انبعاثات الكربون والغازات السامة والملوثات العضوية، لذلك لابد من التوجه الرشيد لما يسمى بإدارة الآفات المستدامة والتى تلعب دورا حيويا فى تقليل البصمة الكربونية أثناء عمليات المكافحة حيث تعد المكافحة المتكاملة للآفات أحد أهم الوسائل الخاصة بتلك الإدارة والزراعة المستدامة كونها تهدف إلى تقليل استخدام المبيدات والاعتماد على الوسائل الأخرى الرشيدة فى مكافحة الآفات والتى تحافظ على البيئة والتى يترتب عليها خفض الانبعاثات الكربونية مثل استخدام عناصر المكافحة الحيوية واختيار الأصناف المقاومة وتقنيات الزراعة النظيفة والرصد والمراقبة الذكية لنشاط الآفات، أيضا التوجه نحو الزراعة الذكية واستخدام التقنيات الزراعية الحديثة والتحول الرقمى يؤدى ذلك إلى خفض البصمة الكربونية مثل استخدام الذكاء الاصطناعى وتحليل البيانات بدقة يؤدى هذا أيضا إلى تشخيص شدة الإصابة والتنبؤ بها بدقة شديدة وبالتالى يقلل من استخدام المبيدات وعدد مرات رشها وأيضا استخدام الوسائل الحديثة فى رش المبيدات والتى تعتمد على الرش عالى الدقة والتى يستخدم مبيدات بأقل كمية وأقل استهلاك للوقود، أيضا استخدام الطاقة الشمسية فى تشغيل وحدات إنتاج المكافحة الحيوية يؤدى إلى خفض الانبعاثات الكربونية وأيضا تقليل استخدام المبيدات للحفاظ على البيئة، بالإضافة إلى ذلك إعادة تدوير عبوات المبيدات الفارغة والتخلص الآمن منها يؤدى أيضا إلى خلق بيئة آمنة وخفض البصمة الكربونية بصفة مستدامة، ولخفض البصمة الكربونية أثر بيئى واقتصادى ملموس فى تحسين جودة المياه وخصوبة التربة وزيادة جودة الهواء، بالإضافة إلى خفض تكاليف الإنتاج نتيجة لتقليل استخدام المبيدات وتعزيز فرص زيادة الصادرات وتقليل فاتورة الاستيراد والمساهمة الجادة فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030، ولتحقيق هذا لابد من توعية الجميع بمفاهيم البصمة الكربونية ودمجها فى أنشطة الارشاد الزراعى، أيضا اطلاق مبادرات مجتمعية تهدف إلى تقليل البصمة الكربونية، بالإضافة إلى ذلك لابد من تطوير مناهج وبرامج تعليمية حديثة فى المدارس والجامعات لتسليط الضوء على قضايا البصمة الكربونية وطرق الحد منها، تفعيل الشراكات بين القطاع الخاص والجامعات والمراكز البحثية لتطبيق نماذج ميدانية تهدف إلى خفض البصمة الكربونية، وهكذا فإن ربط جهود تقليل البصمة الكربونية بإدارة الآفات المستدامة يمثل خطوة حيوية نحو زراعة أكثر استدامة وبيئة أكثر أمانا خاصة للأجيال القادمة.