دكتور قاسم زكي
أستاذ الوراثة المتفرغ بكلية الزراعة، جامعة المنيا؛ ورئيس اللجنة الوطنية للعلوم الوراثية بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، والرئيس الأسبق للجمعية الأفريقية لعلوم المحاصيل، وأحد مؤسسي المجلس العالمي للنبات (GPC)؛ عضو اتحاد كتاب مصر، وعضو اتحاد الآثاريين المصريين، وعضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين
إذا كانت الحلقة السابقة قد تناولت الوسط الغذائي والأدوات كأرضية لازمة للانطلاق، فإن زراعة الكالس (Callus Culture) تمثل أول تطبيق عملي ملموس في تكنولوجيا زراعة الأنسجة.
فالكالس هو كتلة من الخلايا غيرالمتمايزة، تنشأ من جزء نباتي صغير تحت تأثير منظمات النمو، وتعد نقطة البداية لتكوين نبات جديد أو لإنتاج مواد ذات قيمة اقتصادية.
ما هو الكالس؟
الكالس عبارة عن نسيج غير متميز (Undifferentiated tissue)، ينشأ عادةً من قطعة صغيرة من ورقة أو ساق أو جذر أو أو برعم نباتي، بعد زراعتها على وسط غذائي يحتوي على أوكسين غالبًا مع قليل من السيتوكينين.
- - يظهر الكالس ككتلة بيضاء أو صفراء أو خضراء فاتحة، لينة الملمس في بدايتها.
- - مع مرور الوقت يمكن أن يصبح أكثر تماسكًا أو حتى يتغير لونه تبعًا لنوع النبات والوسط المستخدم.
خطوات إنتاج الكالس:
1. اختيار الجزء النباتي (المنفصل النباتي) (Explant).
2. يفضل استخدام الأنسجة حديثة النمو مثل الأوراق الغضة أو القمم النامية أو الأجنة.
3. التعقيم: تنظيف الأجزاء النباتية جيدًا بمحاليل مطهرة (مثل الكلور التجاري 10% أو الكحول 70%) لضمان خلوها من الملوثات.
4. الزراعة على وسط غذائي مناسب:
- عادة ما يستخدم وسط Murashige&Skoog (MS) مضافًا إليه أوكسين (2,4-D) مع أو بدون سيتوكينين.
- النسبة بين الأوكسين والسيتوكينين هي المفتاح: ( أوكسين مرتفع + سيتوكينين منخفض = تكوين كالس).
5. الحضانة: توضع المزارع في ظروف ضوئية وحرارية مضبوطة (25°م تقريبًا، إضاءة ضعيفة أو ظلام في البداية).
6. ملاحظة النمو: خلال أسابيع قليلة، يبدأ النسيج بالانتفاخ وتكوين كتل الكالس.
تطبيقات زراعة الكالس
1. إعادة تكوين (استيلاد) النباتات الكاملة (Plant Regeneration):
2. يمكن تحويل الكالس إلى براعم أو جذور من خلال تعديل نسب الهرمونات في الوسط.
3. إنتاج نباتات معدلة وراثيًا: الكالس هو المدخل الأكثر شيوعًا لإدخال جينات جديدة باستخدام Agrobacterium tumefaciens أو القذف الجيني (Gene Gun).
4. إنتاج مركبات ثانوية (Secondary Metabolites): يمكن استخدام مزارع الكالس كمصانع حيوية لإنتاج مواد مثل القلويدات والفيتوهرمونات والزيوت العطرية.
5. التحسين الوراثي: من خلال اختيار طفرات مرغوبة تنشأ أثناء نمو الكالس (Somaclonal Variation).
أمثلة تطبيقية في مصر
البطاطس: إنتاج كالس البطاطس ثم إعادة تكوين نباتات خالية من الفيروسات تُزرع لإنتاج تقاوي معتمدة.
قصب السكر: زراعة الكالس لإنتاج نباتات متجانسة وراثيًا تُستخدم في برامج الإكثار.
القمح والشعير: تجارب ناجحة على تكوين الكالس وإعادة تكوين نباتات مقاومة للإجهاد الملحي.
التحديات
التلوث الميكروبي: يظل العدو الأكبر في مراحل الكالس الأولى.
التغاير الوراثي (Somaclonal Variation): قد يؤدي إلى فقدان التجانس في النباتات الناتجة، وهو أمر غير مرغوب تجاريًا أحيانًا خاصة مع تكنولوجيا التكثير الدقيق.
حساسية بعض الأنواع: ليست كل النباتات تستجيب بسهولة لتكوين الكالس، مما يتطلب تجارب مطولة لتحديد الوسط الأمثل.
خاتمة
يمثل الكالس “الصفحة البيضاء” في زراعة الأنسجة: نسيج بلا ملامح، لكنه يحمل في طياته القدرة الكاملة على تكوين نبات كامل أو أن يصبح مصنعًا لإنتاج مركبات ثمينة.
ومع إتقان زراعته والتحكم فيه، تُفتح أمامنا أبواب واسعة للتطبيقات الزراعية والصناعية والبحثية.
وفي الحلقة القادمة، سننتقل إلى زراعة الأعضاء (Organ Culture)، حيث تتجسد الفكرة بشكل أوضح من خلال زراعة أجزاء محددة مثل الجذور أو الأوراق أو الأجنة.