رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
أيمن شعيب

تحقيقات وتقارير

«الزيتون».. رحلة الشجرة المباركة إلى المائدة.. وتراجع «المصبوغ» فى مصر

  • 16-10-2025 | 15:35

.

طباعة
  • هويدا عبد الحميد

يحظى الزيتون بشعبية كبيرة لفوائده الصحية المتعددة، ولكن رحلة هذه الثمرة من شجرتها إلى مائدة الطعام ليست بسيطة، فهى تمر بالعديد من المراحل التى تضمن سلامة المنتج وجودته.. ويعد الزيتون الأسود من الأطعمة المفضلة لدى الكثيرين، وغالبًا ما يكون سعره أغلى من الزيتون الأخضر، ما يجعله عرضة للغش التجارى، واستكمالًا لسلسلة تحقيقات «الأهرام التعاونى والزراعى» حول زراعة وحصاد وإنتاج الزيتون «الشجرة المباركة» نتناول خلال السطور التالية كيفية التعرف إلى الزيتون الأسود الآمن صحيا.

توضح الدكتورة أمانى بسيونى، أستاذ الكيمياء الحيوية بكلية الزراعة بجامعة بنى سويف، أن الزيتون يُحضر من ثمار أشجار متنوعة، وتُزال مرارته بعدة طرق قبل حفظه بالتخمير الطبيعى أو غيره، ثم يُعبأ ليصبح جاهزًا للاستهلاك.

وعن طرق التصنيع تقول: تختلف طرق تصنيع الزيتون المائدة سواء كان أخضر أو أسود طبيعيا، وتعتمد على نوع الزيتون والسوق المستهدف. ومن بينها عملية الأكسدة للزيتون الأخضر تستخدم هذه الطريقة فى المصانع الكبرى لتحضير الزيتون لعمليات الأكسدة الهوائية التى تحوله إلى اللون الأسود، كما يلجأ إليها بعض التجار الصغار لسهولتها.

أما عملية التخليل الطبيعى للزيتون المفدغ وتشتهر بها بلاد الشام، فيتم فيها تكسير ثمرة الزيتون قبل نقعها فى الماء لعدة أيام مع تغيير الماء يوميا للتخلص من المرارة، ثم يُضاف المحلول الملحى وبعض النكهات مثل الفلفل الحار وشرائح الليمون.

والتخليل بالمعاملة القلوية «الطريقة الإسبانية»: تستخدم الصودا الكاوية (NaOH) للتخلص من مرارة الزيتون، وهى طريقة آمنة ومصرح بها عالمياً، وتُستخدم بكثرة فى المصانع بمصر وإسبانيا.

وبالنسبة لتخليل الزيتون الأسود الطبيعى تضيف: تُستخدم المحاليل الملحية لتخليل الأصناف التى وصلت إلى اللون الأسود طبيعيا على الشجرة، مثل أنواع الكلاماتا، والبيكوال، والدولسي. أما التخليل الجاف فهي طريقة غير شائعة فى مصر وتنتشر فى اليونان وتركيا، تُوضع فيها ثمار الزيتون فى طبقات مع الملح داخل أوعية بفتحات سفلية للتخلص من الماء، بعد ذلك، يُغسل الزيتون ويُعلب مع زيت الزيتون.

ممارسات خاطئة

وتابعت د.أمانى بسيونى بأنه خلال فترات سابقة كانت هناك ممارسات لبعض المصانع عديمة الضمير التى تقوم بصبغ الزيتون الأخضر، ما يشكل خطرًا على صحة المستهلك، قد تؤدى إلى تسمم غذائى، وقد ترتبط بأمراض خطيرة على المدى الطويل، وهى ممارسة غير آمنة تشكل خطرا صحيا كبيرا، ويكون لونه غير طبيعى ولامعا بشكل مبالغ فيه، ورائحته كيميائية قوية وملمسه لزج.

ملونات سوداء

فى سياق متصل، أوضح الدكتور وائل الرفاعي، أستاذ ورئيس قسم تقنية علوم الأغذية بجامعة مطروح، أن هناك عدة طرق لتحويل الزيتون الأخضر إلى الأسود؛ حيث يستخدم بعض التجار مواد كيميائية أو ملونات سوداء أخرى، قد تسبب سُمية من خلال تعريضه للمعاملة الحرارية مع مواد مضافة مثل لاكتات الحديد ورغم أن هذه المواد قد تكون مسموحًا بها فى بعض الأغذية، فإنها قد تسهم فى تكوين مادة الأكريلاميد المسرطنة وفقًا للعديد من الأبحاث العلمية الصادرة عن منظمتى الصحة العالمية والأغذية والزراعة «فاو»، بالإضافة إلى استخدام البعض لمواد حافظة ضارة لحفظ الزيتون وتسريع عملية تحوله إلى اللون الأسود.

جودة الزيتون

وأوضح الرفاعي أنه يمكن للمستهلك العادى الكشف عن الزيتون الأسود المغشوش بسهولة من خلال ملاحظة بعض العلامات إذا كان قلب ثمرة الزيتون أبيضً بينما قشرتها الخارجية سوداء، فهذا دليل على أن الزيتون غير ناضج وتم تلوينه صناعيا، ويكون لها طعم ورائحة مؤكسدة غير مقبولة، مؤكدا أن سلامة المستهلكين مسئولية مشتركة بين هيئة سلامة الغذاء والجهات الرقابية يجب على هذه الهيئات تكثيف الرقابة على أسواق ومصانع إنتاج الزيتون، وتطوير طرق الكشف عن الغش، للتأكد من جودة المواد المستخدمة فى التصنيع.

آمنة تمامًا

وفي اتجاه موازٍ، أفاد المهندس محمد ضرار، أحد المصنعين، بأن صبغ الزيتون إجراء غير صحى بالمرة، ويهدد صحة الإنسان، موضحًا أن الطريقة الصحيحة المتعارف عليها والمطلوبة فى أسواق التصدير هى أكسدة الزيتون لتحويل لونه من الأخضر إلى الأسود، مؤكدًا أن هذه العملية آمنة تماما، على عكس استخدام الأصباغ التى تُعد غشا من قِبل «أصحاب الضمائر المعدومة».

أما المهندس عاطف نجيب، مدير أحد مصانع الزيتون، فيرى أن طرق الغش التى يمارسها البعض فى صناعة الزيتون بمصر، وتضر بسمعة المنتج وصحة المستهلك، لافتًا إلى أن بيع وتسويق الزيتون «المؤكسد» أو «المُصنع» على أنه «زيتون أسود طبيعى» طريقة شائعة للغش.

وكشف نجيب عن الفروقات التى تمكن المستهلك من التمييز بينهما: «الزيتون المؤكسد» يتميز بنسيجه الأسود من الخارج، بينما يكون لونه فاتحًا من الداخل. أما «الزيتون الطبيعي» فيتسم بلون بنى رمادى من الخارج، ولا يكون أسود قاتمًا أبدًا، ونسيجه الداخلى يميل للون الداكن ويتميز بكونه طريا. كمايُعد الزيتون الطبيعى أغلى ثمنًا؛ لأنه يمر بعمليات حيوية كاملة على الشجرة؛ حيث تبدأ الثمرة خضراء ثم يتدرج لونها إلى الفاتح، لتظهر عليها بعد ذلك بقع بنفسجية ما يسمى «بالشكلطة»، حتى تصبح سوداء بالكامل، وتستغرق هذه العملية وقتًا يتراوح بين 15 - 25 يومًا بعد الحصاد، وقد يصل إلى شهر بحسب الصنف وظروف الحرارة. 

وعلى النقيض، يلجأ بعض المصنّعين إلى الأكسدة والعمليات التصنيعية مثل الخلى والتشريح للحفاظ على المحصول وتقليل الفاقد وتفادى الإصابة بالذبابة، إلا أن الزيتون المؤكسد يحتاج إلى بسترة ومدة صلاحيته أقل.

مواصفات صارمة

قال المهندس هيثم رحمو ممثل إحدى شركات الزيتون: يتم الاعتماد على الزيتون المؤكسد فى بعض الدول الغربية مثل أمريكا والاتحاد الأوروبى، ويُستخدم فى منتجات مثل البيتزا، وهذه العملية تعد مقبولة صحيا فى تلك الأسواق، فى المقابل هناك شريحة صغيرة جدا تقبل هذا النوع من الزيتون يالسوق المصرية.

وتابع: تخضع الشركات الكبرى المصدرة لمواصفات صارمة جدا؛ حيث يتم فحص بقايا المبيدات، وشكل وحجم الزيتون، وسلامة الحلقات، وغيرها من المعايير الدقيقة. لذا، من المستحيل أن تقوم هذه الشركات بصبغ الزيتون، لأنها ستواجه عقوبات قاسية قد تصل إلى إغلاق المصنع.

أما الزيتون المصبوغ الذى كان منتشرًا بشكل أكبر فى الماضى منذ نحو 20 عامًا، فقد تضاءل وجوده بشكل كبير فى مصر، وهى شبه مستحيلة فى الوقت الحاضر؛ نتيجة تشديد الرقابة، حيث أصبحت هيئة سلامة الأغذية أكثر صرامة فى مراقبة المصانع والمنتجات الغذائية؛ ويتم سحب عينات بشكل دورى من المصانع والمحال لتحليلها، ما يجعل من الصعب على أى مصنع ممارسة هذه الأساليب غير المشروعة.

بالإضافة إلى وعى المستهلك، فقد أدرك المستهلكون فى مصر مخاطر الزيتون المصبوغ على الصحة.

عديمو الضمير

قال المهندس إسلام أبو سريع، مستشار زراعة الزيتون: إن بعض التجار عديمى الضمير يلجأون لغش الزيتون الأخضر وبيعه على أنه زيتون أسود طبيعى، وهو ما يمثل خطرًا على صحة المستهلكين، ويهدد بإصابتهم بأمراض خطيرة مثل السرطان وأمراض الكبد.

أوضح أبو سريع، أن الزيتون الأخضر أحيانًا يتم صبغه بأصباغ غير مصرح بها، ومن ثم يتعرض لمعاملات أخرى لتكسبه الصلابة، ما يجعله زيتونًا مغشوشًا، محذرًا من انتشاره فى بعض الأسواق، والسوبر ماركت، ومحال البيتزا، والفنادق أحيانًا، ومشددا على أهمية دور الإعلام فى توعية المواطنين لشراء المنتج السليم وغير المغشوش.

عملية الأكسدة

هي عملية تحويل الزيتون الأخضر إلى اللون الأسود بطريقة صناعية، تبدأ بغمر الزيتون الأخضر بعد تخليله -سواء بالصودا أو الماء والملح- فى محلول يحتوى على أملاح مثل كلوريد الكالسيوم وجلوكونات الحديد.

تتم بضخ الهواء عبر مدافع هوائية داخل الخزانات التى تحتوى على الزيتون، ويمتزج الهواء بالحديد، فيحدث تفاعل كيميائى يخترق الطبقة الخارجية من قشرة الزيتون، ما يحولها إلى اللون الأسود، لهذا السبب، عند قطع الزيتون المؤكسد، يكون لونه من الخارج أغمق من لونه الفاتح من الداخل، وتستغرق عملية التقليب والأكسدة بين 12 إلى 24 ساعة.

بعد انتهاء عملية الأكسدة، يتم سحب المحلول ويتبعها عملية بسترة سريعة خلال 48 ساعة، وهى ضرورية لأن ضخ الهواء ينشط بعض أنواع البكتيريا الهوائية، تمامًا كما فى بسترة اللبن، وهى تهدف إلى وقف نشاط هذه البكتيريا، بعد البسترة، يصبح المنتج جاهزًا للتعامل والتعبئة.

يحظى بقبول بالأسواق العالمية والمحلية أيضًا ويتم تصديره بكثرة، وبالرغم من وجود شائعات حول خطورته، فإنه لم يصدر قرار رسمى من أى جهة دولية معنية بسلامة الغذاء، لمنع تداوله ما يجعله مصرحًا به ومستخدمًا بشكل طبيعى.

اخر اصدار

67