دكتور قاسم زكي
أستاذ الوراثة المتفرغ بكلية الزراعة، جامعة المنيا؛ ورئيس اللجنة الوطنية للعلوم الوراثية بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، والرئيس الأسبق للجمعية الأفريقية لعلوم المحاصيل، وأحد مؤسسي المجلس العالمي للنبات (GPC)؛ عضو اتحاد كتاب مصر، وعضو اتحاد الآثاريين المصريين، وعضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين.
في الحلقة السابقة (1)، استعرضنا مفهوم زراعة الأنسجة النباتية كمدخل إلى عالم الخلية الخضراء وإمكانياتها المدهشة في إعادة تكوين نبات كامل.
لكن، كيف نهيئ الظروف التي تسمح لجزء صغير من النبات أن ينمو ويتحول إلى كالس/كالوس (Callus) أو برعم أو نبات مكتمل؟
الجواب يكمن في الوسط الغذائي والظروف البيئية والأدوات المعملية، وهما الأساس الذي تبنى عليه كل تجربة ناجحة في تكنولوجيا زراعة الأنسجة.
الوسط الغذائى: سر الحياة فى أنبوب زجاجي
الخلايا النباتية المزروعة خارج بيئتها الطبيعية تحتاج إلى محلول غذائي صناعى يحتوي على كل ما يلزم للنمو.
أهم مكونات الوسط الغذائى هى:
1. الأملاح المعدنية:
*الكبريتات والفوسفات والنترات، وهي تزود الخلايا بالعناصر الكبرى اللازمة لتخليق البروتينات والإنزيمات.
*أملاح الحديد والزنك والنحاس والمنجنيز كمغذيات صغرى، لها دور أساسي فى التمثيل الضوئى والتنفس.
2. الفيتامينات والعناصر المساعدة:
* فيتامين B1) الثيامين) وفيتامين B6 البيريدوكسين) من أهم المضافات.
* حمض النيكوتينيك (نياسين) يساعد في عمليات الأكسدة والإرجاع.
3. مصدر الكربون:
* عادةً يستخدم السكروز بنسبة 2–3%، إذ يعوض غياب عملية التمثيل الضوئى الكاملة فى المزارع المغلقة.
4. منظمات النمو النباتية (Plant Growth Regulators) :
* الأوكسينات (مثل NAA، IAA -D2,4): تشجع على تكوين الكالس والجذور.
* السيتوكينينات (مثل BAP، kinetin): تحفز انقسام الخلايا وتكوين البراعم.
* النسبة بين الأوكسينات والسيتوكينينات هي التي تحدد مصير النسيج (كالس، جذور، براعم).
5. الجيلاتين أو الأجار:
* يستخدم لتصلب الوسط وتحويله إلى بيئة شبه صلبة، يسهل تثبيت الأنسجة عليها.
التعقيم: الحارس الصامت
زراعة الأنسجة لا تسمح بأي منافسة من الكائنات الدقيقة، حتى خلية بكتيرية واحدة قد تدمر التجربة.
لذلك، تعد عمليات التعقيم جزءًا لا يتجزأ من العمل:
* تعقيم الوسط الغذائي: باستخدام الأوتوكلاف (Autoclave) عند 121°م وضغط 1.5 بار لمدة 15–20 دقيقة.
* تعقيم الأدوات: بالتسخين الجاف أو الكحول أو اللهب المباشر.
* تعقيم الأجزاء النباتية: بالغسيل في محاليل مطهرة مثل الكلور أو الكحول بتركيزات دقيقة وزمن مناسب.
المعمل: غرفة عمليات للنبات
معامل زراعة الأنسجة تشبه "غرف العمليات" في المستشفيات من حيث الدقة والنظافة.
وتتكون عادة من:
1. غرفة التحضير: لإعداد الوسط الغذائي وتعقيم الأدوات.
2. غرفة الزرع (Inoculation Room): مجهزة بدواليب الهواء النقي (Laminar Flow Hood) لإجراء الزراعة في جو معقم.
3. غرفة النمو (Culture Room): تتحكم في درجة الحرارة (24–27°م) والإضاءة (16 ساعة إضاءة – 8 ساعات ظلام) والرطوبة.
التحديات العملية
* التكلفة العالية للأجهزة والمواد الكيميائية.
* الحساسية الشديدة لأي خطأ في التعقيم أو تركيب الوسط.
* الحاجة إلى خبرة فنية في التعامل مع الهرمونات النباتية.
لا يمكن لزراعة الأنسجة أن تنجح دون وسط غذائي مصمم بعناية وأدوات معقمة وغرفة نمو محكمة السيطرة.
هذه العناصر ليست مجرد تجهيزات، بل هي الأساس الذي يحدد نجاح التجربة أو فشلها.
وفي الحلقة القادمة، سنتناول زراعة الكالس (Callus Culture) باعتبارها أولى المراحل العملية الحقيقية، وكيف يتحول جزء صغير من ورقة أو ساق إلى نسيج أبيض غير متميز، يمثل البداية لنبات جديد.