فى خضم التنافس لتسويق "النانو كلاي السائل" كحل سحري لإنقاذ الصحراء، سارت مجموعة من الباحثين المصريين في طريق آخر وأطول، تحول من فكرة بدأت عام 2013 إلى مشروع تطبيقي ضخم غيَّر معادلة استصلاح الأراضي الرملية في مصر.
هؤلاء العلماء لم يسعوا للشهرة، بل لتقديم حل واقعي ومستدام لإنشاء تربة حية قادرة على الزراعة والحياة.


وتحولت الفكرة من مركز بحوث الصحراء إلى مشروع وطني، هذا ما أكده لنا دكتور علي عبد العزيز أستاذ مساعد الاحتياجات المائية بشعبة مصادر المياه والأراضى الصحراوية بمركز بحوث الصحراء ورئيس مشروع حقن الترية الرملية بالطين، في تصريحه الخاص لـ"الأهرام التعاونى والزراعى".. وكنا قد انفردنا بأول حوار عن تفاصيل ونتائج المشروع عام 2019.
وأضاف قائلًا: وُلد مشروع "حقن التربة الرملية بالسلت والطين"، المعروف باسم "إيجيبت كلاي"، ليثبت أن الطين المصري هو الحقيقة، وأن "النانو كلاي" مجرد وهم لامع.
بدأت الحكاية في عام 2013 بمركز بحوث الصحراء بفكرة: إعادة قدرة التربة الرملية على الاحتفاظ بالماء والغذاء، تمامًا كأراضي الدلتا الخصبة.
تحولت الفكرة إلى بحث تطبيقي في 2014 وحصلت على تمويل من مؤسسة مصر الخير في 2017، ليبدأ التنفيذ الفعلي على أربع مراحل امتدت لسنوات من التجريب.
في المرحلة الأولى، انطلق الفريق في مهمة شاقة للبحث عن مصادر الطين.
تم استبعاد بحيرة ناصر لعمقها وتكلفتها الباهظة، وكون الطين السائد بها (الكاؤولينايت) غير مناسب.
كما تم استبعاد نواتج تكريك الترع والمصارف لتشبعها بالملوثات والعناصر الثقيلة وبذور الحشائش، حفاظًا على الأراضي البكر.
جاء البديل من المصادر الجيولوجية الجافة المنتشرة في الصحارى المصرية، وهي خامات طينية غنية يمكن تكسيرها وطحنها واستخلاص حبيبات السلت والطين منها.
وتابع عبد العزيز، تم حصر هذه المصادر وتحليلها وتوقيعها على خريطة مصر الجيولوجية لتقليل تكلفة النقل.
وكانت النتائج مذهلة؛ حيث تم توفير من 50 - 60% من مياه الرى، و 35-50% من الأسمدة، فضلًا عن زيادة ملحوظة في الإنتاجية وتحسين خصائص التربة.
وعلى النقيض، كانت تجربة النانو كلاي السائل التجاري مخيبة للآمال، حيث تُغسل جزيئاته الدقيقة بسهولة مع مياه الري وتختفي في الموسم التالي، وقد تُسبب طبقة صماء تمنع الصرف.
ولهذا تم استبعاده من المشروع بوصفه "حلًا سريع الزوال… باهظ التكلفة… قليل الفاعلية".
لذا المشروع يقدّم نموذجًا مصريًا خالصًا لكيف يمكن للعلم أن يصنع الفارق، فهو لا يبيع الوهم، بل يزرع الحقيقة، ويؤكد أن الاستصلاح الحقيقي يبدأ من الإيمان بتحويل الرمال إلى خضرة عبر حقنها بالحياة.
انتظروا التفاصيل كاملة بالعدد المقبل للأهرام التعاوني والزراعي.