.
400 منتج من ابتكارات المركز جاهزة للتنفيذ
د. ممدوح معوض: ربط مخرجات البحث العلمى بالتصنيع المحلى لتحقيق التنمية المستدامة
على مدى سبعة عقود، ظل المركز القومى للبحوث صرحًا علميًّا عملاقًا يقود قاطرة الابتكار فى مصر. وفيما تستعد الدولة للجمهورية الجديدة بخطى واثقة نحو اقتصاد المعرفة، كان من الضرورى أن نلتقى الأستاذ الدكتور ممدوح معوض، رئيس المركز القومى للبحوث، فى أول حوار له مع جريدة «الأهرام التعاونى والزراعى» لنتعرف منه إلى ما تحقق، وما يجرى، وما ينتظرنا فى السنوات القادمة من جهود هذا الكيان البحثى الكبير، ووضع ملامح خطة طموح لتعزيز دور المركز القومى كبيت خبرة وطنى فى خدمة التنمية المستدامة، وربط مخرجات البحث العلمى بالتصنيع المحلى، وتوسيع آفاق الابتكار التكنولوجى.
فى عددنا التذكارى بمناسبة ثورة 30 يوليو، يرسم «معوض» ملامح الاستراتيجية البحثية الوطنية التى تمضى نحو تعزيز التنمية والتصنيع وتوطين التكنولوجيا، مستعرضا إنجازات عقد من الزمان، وموجّهًا بنظرة ثاقبة نحو تحديات الحاضر وغد مصر المستنير. الحوار يتطرق إلى ربط العلم بالتطبيق، وتأثير ذلك فى القطاعات الصناعية والزراعية، فضلا عن دور التحول الرقمى والشباب فى مستقبل الوطن، وإلى الحوار.
> ما أهم الإنجازات التى تحققت خلال العقد الأخير داخل المركز القومى للبحوث؟
خلال السنوات العشر الأخيرة، حقق المركز نقلة نوعية فى ربط الخطط البحثية باستراتيجية الدولة 2030. توسعنا فى مجالات البحث العلمى التطبيقية فى قطاعات الطاقة والمياه والصناعة والزراعة والصحة، وأصبح لدينا ثلاث منظومات رئيسية: البحث العلمى، والتطبيق العملى، وخدمة المجتمع. لدينا مشروعات بحثية حقيقية، وعدد من براءات الاختراع، وتعاون دولى، بالإضافة إلى قوافل طبية وبيطرية وتوعوية تخدم مختلف فئات المجتمع؛ حيث تم نشر أكثر مائة ألف بحث، وحصل على أكثر من 375 براءة اختراع من عام 1956 حتى الآن؛ حيث تم تأهيل المركز للمركز الأول للعام الثالث على التوالى فى تصنيف سيماجو الدولى وهذا تقييم إسبانى لجميع المراكز البحثية على مستوى العالم من حيث البحث والابتكار وخدمة المجتمع من خلال القوافل الطبية والعلاجية والتوعوية وخدمة القرى الفقيرة والخدمات البيطرية.
> ما رؤية سيادتكم لدور المركز كأحد أذرع الدولة فى التنمية بعد الثورة؟
المركز القومى للبحوث وُلد برؤية واضحة منذ إنشائه عام 1956 بقرار من رئيس الجمهورية، وهدفه هو دعم التنمية فى الدولة من خلال الأبحاث التطبيقية. وخدمة الاقتصاد الوطنى فى مختلف القطاعات، لدينا 14 معهدًا بحثيًّا تغطى المجالات الصناعية والزراعية والطبية والبيئية، وجميعها قادرة على تقديم الحلول العلمية والتقنية لجميع القطاعات، كما نُعد بيت خبرة وطنيا يقدم دراسات جدوى واستشارات وبرامج تدريبية متخصصة ويمتلك المركز مستشفيين متنقلين، واحد لأمراض البطنة والرمد والنسا والجلدية، والآخر خاصة بطب الاسنان.
بعد ثورة 30 يونيو بدأ الاهتمام بالبحث العلمى من خلال الدولة وتقديم الدعم الكامل من خلال رفع ميزانية البحث العلمى وبالدستور، بعد الثورة حدث تطوير ووضع مادة تضمن أن البحث العلمى من ركائز الدولة الأساسية ووضع نسبة 1 %من الدخل القومى توجهه إلى البحث العلمى. وإصدار بعض القوانين مثل قانون حافز الابتكار الذى صدر عام 2018 لتسهيل المشاركة فى الأرباح الناتجة من منتج بحثى.
> ماذا عن أبرز الملفات التى تبناها المركز دعمًا لخطة الدولة؟
أطلقنا الإصدار الثانى من مبادرة «بديل المستورد 2025»، التى تسعى لإحلال المنتج المحلى محل المستورد، وذلك من خلال تحويل نتائج أبحاثنا إلى منتجات صناعية يمكن تنفيذها عبر شراكات مع رجال الأعمال أو تبنيها من قبل الدولة، خصوصًا فى مجالات الصناعات الكيماوية، والدوائية، والأغذية، والطاقة.
> كيف يتم توطين ونقل التكنولوجيا والرؤية المستقبلية للتوسع تلك الاستراتيجية؟
يتم ذلك من خلال الاتفاق مع المراكز البحثية وجامعات على مستوى دول العالم، وهذا يتطلب أربعة عناصر رئيسية، هى: إطار قانونى قوى يحمى الملكية الفكرية، تمويل مرن يمكن من شراكة القطاعين العام والخاص، رقمنة إدارة التكنولوجيا لتتبع مراحل الإنتاج، وكوادر بشرية مدربة على الجوانب الصناعية. نحن بالفعل فى طريقنا لإنشاء وحدة مركزية تقنية تابعة للمركز لتدريب كوادر تتابع المنتجات بعد خط الإنتاج الأولية من المصنع وحتى الخط التجارى لتوفير دعم استدامي.
> استراتيجية نقل وتوطين التكنولوجيا من أهم محاور المركز كيف يتم تبنيها داخل المركز؟
هذه الاستراتيجية تمثل الركيزة الأساسية لرؤيتنا فى «المركز القومى للبحوث». قمنا بصياغة إطار عملى يتضمن مراحل واضحة تبدأ من تطوير الاختبار المعملى وصولا إلى الإنتاج الصناعى. يتضمن ذلك: أولا، تحويل النتائج البحثية إلى نماذج أولية داخل المعمل؛ ثانيا، تجربة هذه النماذج على مستوى شبه صناعى بالتعاون مع القطاع الخاص؛ ثم تنفيذ اتفاقات مع مصانع وشركات محلية لإنتاجها بالشراكة. نحن نركز على تجهيز بروتوكولات فنية وتصنيعية لكل منتج، بالتوازى مع تأمين الملكية الفكرية وبراءات الاختراع لحمايتها؛ ما يمكِّننا من تسويق التكنولوجيا محليا وإقليميا.
فى هذا السياق، نسعى إلى نقل خبرات مركزية فى القطاعات الحيوية مثل الصناعات الدوائية والغذائية والمبيدات ومواد البناء، لنشهد صناعة مصرية بأيد مصرية وبجودة عالمية، وبأسعار تنافسية تقلل الفاتورة الاستيرادية.
> هل هناك نماذج لمخرجات بحثية تحولت إلى منتجات صناعية؟
لدينا أمثلة كثيرة، مثل إنتاج مُخصّب حيوى للمحاصيل الزراعية عالى الكفاءة، وتحضير الخام الدوائى «السيليمارين» المستخدم فى علاج أمراض الكبد. أيضًا طورنا بلاطًا مطاطيًّا من مخلفات الإطارات، وأقمشة مضادة للبكتيريا والفيروسات تُستخدم فى المستشفيات. وهناك جهاز لتصنيع حبيبات المبيدات الحشرية، ومنتجات نانوتكنولوجية مثل جيل لعلاج الجروح والحروق.
> كيف يعمل المركز على ربط مخرجات البحث العلمى بالقطاع الصناعى؟
أنشأنا أول حاضنتين تكنولوجيتين، واحدة للصحة والمنتجات الصيدلية، وأخرى لتعميق التصنيع المحلى. كما لدينا معرض دائم للمخرجات البحثية يضم أكثر من 400 منتج، بالإضافة إلى مكتب التسويق التكنولوجى ومكتب لتحديث الصناعة، فضلا عن توقيع بروتوكولات تعاون مع الهيئات الصناعية.
> حدثنا عن شراكات المركز مع القطاع الخاص، وهل هناك تطبيقات ناجحة؟
نعم، مثال ذلك مشروع إنتاج «السيليمارين» مع شركة أتوس للصناعات الدوائية، وهذا المشروع يوفر منتجًا دوائيًّا كان يُستورد بالكامل. كما لدينا تعاونات فى مجالات إنتاج الأغذية العلاجية، والدهانات، ومنتجات معالجة المياه.
> وماذا عن دور المركز فى قطاع الزراعة والغذاء؟
نحن نملك محطة بحثية فى النوبارية تضم 15 صوبة زراعية وتدعم أكثر من 900 تجربة بحثية، إضافة إلى أبحاث فى إنتاج سلالات حيوانية محسنة باستخدام تقنيات نقل الأجنة، وإنتاج لقاحات محلية لإنفلونزا الطيور، فضلًا عن إنتاج مكملات غذائية علاجية لأمراض الكبد والسكرى وسوء التغذية.
> كيف يسهم المركز فى مواجهة التغيرات المناخية؟
أنشأنا مركز تميز خاصا بالتغيرات المناخية يختص برصد وتحليل الخرائط المناخية وتقديم التوصيات للدولة، كما أن معهد بحوث البيئة والتغيرات المناخية يقدم أبحاثًا تطبيقية تتعلق بتأثير المناخ فى الإنتاج الزراعى والغذائى.
> وماذا عن جهودكم فى ملف الأمن الغذائى وسلامة الغذاء؟
لدينا منتجات غذائية موجهة لتلاميذ المدارس تعزز المناعة وتدعم القيمة الغذائية. كما طورنا مشروبات تساعد على امتصاص الحديد لعلاج الأنيميا، وأنتجنا عصائر آمنة وصحية، واعتمدنا فى ذلك على أبحاث تحسين جودة مياه الرى وتدوير المخلفات الزراعية.
> هل بدأ المركز فى تطبيق التحول الرقمى والذكاء الاصطناعى؟
بالتأكيد بدأنا فى دمج التحول الرقمى داخل معامل المركز، ونعمل على بناء قواعد بيانات قومية للربط مع صناع القرار. كما نستخدم الذكاء الاصطناعى فى تحليل البيانات الضخمة وتوجيه الأبحاث بشكل أكثر كفاءة وتأثيرًا.
> ما شكل التعاون الدولى للمركز فى الوقت الحالى؟
لدينا شراكات مع أوروبا وآسيا وإفريقيا، ونعمل ضمن تحالفات علمية دولية. كما نُشارك فى المؤتمرات والمنتديات العالمية، ونُرسِل بعثات علمية وتدريبية لتعزيز قدرات شباب الباحثين المصريين.
> وكيف يدعم المركز فئة الشباب والباحثين؟
أطلقنا مبادرة «أجيال» بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمى، وتستهدف طلاب الجامعات والثانوية لتدريبهم على البحث العلمى عبر ورش عمل عملية داخل المعامل. وهناك أيضًا مبادرة «جامعة الطفل»، بالإضافة إلى برامج الحاضنات التكنولوجية التى تدعم رواد الأعمال والمبتكرين من الشباب.
> فى رأيكم، ما أبرز التحديات التى تواجه منظومة البحث العلمى فى مصر؟
أهم التحديات هى التمويل المستدام، واحتياج الأبحاث إلى دعم فى تسويق وتطبيق المخرجات. ولكن نعمل على تجاوز هذه العقبات من خلال الشراكات والتكامل بين الجهات، وتوفير البيئة الداعمة داخل المركز للباحثين.
> ما طموحكم للمركز القومى للبحوث حتى عام 2030؟
نطمح أن نكون أحد المحاور الرئيسية فى دعم الاقتصاد القائم على المعرفة، وأن نُصبح مركزًا إقليميًّا للابتكار، وأن نزيد من عدد المنتجات التى تدخل السوق، ونُسهم بشكل مباشر فى دعم خطط التنمية المستدامة، وتحقيق الأمن الغذائى والصحى والصناعى لمصر.
> تعد استراتيجية نقل وتوطين التكنولوجيا من أهم محاور التقانة الصناعية، كيف يتم تبنيها داخل المركز؟
هذه الاستراتيجية تمثل الركيزة الأساسية لرؤيتنا فى «المركز القومى للبحوث». قمنا بصياغة إطار عملى يتضمن مراحل واضحة تبدأ من تطوير الاختبار المعملى وصولا إلى الإنتاج الصناعى. يتضمن ذلك: أولًا، تحويل النتائج البحثية إلى نماذج أولية داخل المعمل؛ ثانيًا، تجربة هذه النماذج على مستوى شبه صناعى بالتعاون مع القطاع الخاص؛ ثم تنفيذ اتفاقات مع مصانع وشركات محلية لإنتاجها بالشراكة. نحن نركز على تجهيز بروتوكولات فنية وتصنيعية لكل منتج، بالتوازى مع تأمين الملكية الفكرية وبراءات الاختراع لحمايتها؛ ما يمكِّننا من تسويق التكنولوجيا محليا وإقليميا.
أخيرا، نسعى إلى نقل خبرات مركزية فى القطاعات الحيوية مثل الصناعات الدوائية والغذائية والمبيدات ومواد البناء، لنشهد صناعة مصرية بأيد مصرية وبجودة عالمية، وبأسعار تنافسية تقلل الفاتورة الاستيرادية.

.