رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
أيمن شعيب

طرح القلم

محاصيل (BT ) التكنولوجيا الوراثية فى خدمة الأمن الغذائى

  • 12-6-2025 | 13:37
طباعة

أستاذ الوراثة بكلية الزراعة، جامعة المنيا؛ ورئيس اللجنة الوطنية للعلوم الوراثية بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، والرئيس الأسبق للجمعية الأفريقية لعلوم المحاصيل، واحد مؤسسي المجلس العالمي للنبات (GPC)؛ عضو اتحاد كتاب مصر.
 

فى خضم التحديات المتزايدة التي تواجه الزراعة العالمية، من نقص الأراضي الزراعية وندرة المياه إلى تفشي الآفات وموجات التغير المناخي، ومع سعي البشرية الدائم لتأمين غذائها ومواجهة التحديات الزراعية المتزايدة، برزت الهندسة الوراثية كأداة قوية لتحسين المحاصيل. ومن بين أبرز الابتكارات في هذا المجال، تبرز "محاصيل Bt" كنموذج لنجاح استخدام التكنولوجيا الحيوية في حماية المحاصيل من الآفات الحشرية المدمرة. وأصبحت محاصيل البي تي (BT Crops) كإحدى أكثر الابتكارات العلمية إثارة للجدل، لكنها دون شك تركت أثرًا بالغًا على الإنتاج الزراعي في العقود الأخيرة.

ما هي محاصيل البي تي؟

تكمن الفكرة الأساسية وراء محاصيل Bt في استغلال الدفاعات الطبيعية. بكتيريا Bacillus thuringiensis (Bt) تنتج بروتينات بلورية تسمى "بروتينات الكراي" (Cry proteins) والتي تكون سامة لبعض أنواع الحشرات، ولكنها غير ضارة بالبشر والثدييات والطيور والأسماك. عندما تتغذى اليرقات الحساسة (مثل يرقات الفراشات والعث، التي تشكل آفات رئيسية للعديد من المحاصيل) على نباتات Bt، فإن هذه البروتينات تتفاعل مع مستقبلات محددة في أمعاء الحشرة. يؤدي هذا التفاعل إلى إحداث ثقوب في جدار أمعاء الحشرة، مما يعطل عملية الهضم ويسبب موت الحشرة في النهاية.

من المهم ملاحظة أن بروتينات Bt تكون فعالة فقط ضد أنواع معينة من الحشرات التي تمتلك المستقبلات المناسبة في أمعائها، وهذا يجعلها طاردًا انتقائيًا للآفات ويقلل من تأثيرها على الحشرات النافعة مثل النحل والدعسوقة.

لماذا تثير اهتمام العالم الزراعي؟
 

لأنها ببساطة تمثل قفزة نوعية في مقاومة الآفات بدون مبيدات، بدلًا من رش المحاصيل بمبيدات كيميائية باهظة الثمن ومضرة بالبيئة والصحة العامة، تنتج هذه المحاصيل الحماية ذاتيًا من الداخل. وقد أدى هذا إلى انخفاض استخدام المبيدات الحشرية في بعض البلدان بنسبة تجاوزت 40%، مع زيادة إنتاجية الفدان وتحسين جودة المحصول.

 انتشار زراعة محاصيل البي تي في العالم

دخلت محاصيل البي تي حيز الزراعة التجارية منذ منتصف التسعينيات، واليوم تُزرع على نطاق واسع في بلدان مثل الولايات المتحدة، الهند، الصين، البرازيل، والأرجنتين. الذرة والقطن وفول الصويا من أبرز المحاصيل المعدّلة بهذه التقنية، إذ تُزرع ملايين الهكتارات منها سنويًا.

في الهند مثلًا، أحدث قطن البي تي تحولًا جذريًا في الإنتاج، حيث تضاعفت الغلال وتراجع الاعتماد على المبيدات، وإن لم يخلُ المشهد من اعتراضات ومخاوف، خصوصًا من الناحية الاقتصادية لدى صغار المزارعين.

فوائد بيئية واقتصادية... ولكن:
 

تشير دراسات كثيرة إلى أن محاصيل البي تي تسهم في تقليل تلوث التربة والمياه نتيجة تقليص استخدام المبيدات، كما أنها تقلل من العمالة والتكلفة، وتمنح للمزارعين مرونة أكبر في إدارة مزارعهم، لكن في المقابل، لا يخلو الأمر من مخاوف بيئية وبيولوجية، أبرزها تطور مقاومة الحشرات لهذه التقنية، ما يستدعي تطوير أصناف جديدة باستمرار أو اعتماد إستراتيجيات تكاملية. كما تُطرح تساؤلات حول الاحتكار التجاري من قبل شركات التكنولوجيا الحيوية الكبرى، وتأثيره على السيادة الغذائية في الدول النامية.

هل من مستقبل لمحاصيل البي تي في مصر والعالم العربي؟
بشكل عام لا تُزرع محاصيل البي تي تجاريًا في مصر والعالم العربي (باستثناء الذرة عجيب واي جي 4 سنوات بمساحات متواضعة في مصر، وقطن البي تي في السودان). ذلك رغم وجود تجارب بحثية على محاصيل مثل الذرة والقطن. ويمثل هذا الموضوع جدلًا بين من يرى فيها ضرورة لمواجهة الآفات وتقليل الاستيراد، وبين من يتحفظ لأسباب تتعلق بالسلامة الحيوية والسيادة الزراعية. وسوف نتناول هذا الموضوع بالتفصيل في مقالة تالية.

تحفظات بيئية وأخلاقية... كيف نواجهها علميًا؟

المخاوف من محاصيل البي تي تتركز في أربع نقاط رئيسية:

تطور مقاومة الحشرات: الحشرات قد تطور مناعتها تجاه بروتين البي تي إذا لم تُتبع إستراتيجيات مكافحة متكاملة.

التأثير على التنوع الحيوي: رغم أن البروتين انتقائي، إلا أن التخوفات مستمرة بشأن آثاره المحتملة على الحشرات النافعة مثل النحل والفراشات.

الاحتكار التجاري: سيطرة عدد محدود من الشركات الكبرى على تكنولوجيا البذور المعدلة.

القبول المجتمعي: ضعف وعي المزارعين والمستهلكين بطبيعة هذه المحاصيل ومزاياها ومخاطرها.

ويُطالب العلماء بتبني سياسات زراعية متوازنة تدمج هذه التقنيات مع أساليب الزراعة المستدامة، مثل نظام "الملاذ المرجعي" الذى يزرع فيه المزارع جزءًا من الأرض بمحاصيل غير معدلة لمنع تطور المقاومة الحشرية.

ختامًا: ما بين العلم والسيادة:

محاصيل البي تي لا تمثل مجرد أداة لإنتاج أكثر، بل تحديًا سياسيًا ومعرفيًا في آنٍ معًا. فإذا أحسنّا استخدامها ضمن إستراتيجية وطنية شاملة تحترم خصوصية البيئة وتراعي السيادة الزراعية، فإنها قد تفتح بابًا جديدًا نحو أمن غذائي أكثر استقرارًا، أما تركها للتخوفات أو للشركات العابرة للقارات دون رقابة، فهو خيار يحمل في طياته مخاطر جمّة.

اخر اصدار

67