الروابط الأصيلة في الحضارات تصنع خيارات كثيرة تعمل على بلورة احتكاك مباشر بالمعاصرة أو صدي تناغم بغير المباشر لكنه يواكب العلاقات البشرية في مجملها في متسع جغرافيتها الإنسانية، لذا نشأت حضارات قديما تلاقت فازدهرت واستقر بها الحال على ماهي عليه فاستقامت، وتناسلت بتلاقح ثقافات وعادات تكاثرت لعمارة الكون التي استعمر الله الناس في الأرض، ثم تباعدت الفواصل بالحراك الذي يموج به الزمن في الناس، ثم تقاربت مع شكول تقلبات وشكوك فوبيا تدانت فصنعت صراعات من أجل البقاء ، ثم تدلت مسافات بمدد مساحات، هيكلية نشاطات جغرافية مكان و تصاعد أزمنة تصدعت أرضها ذات الصدع ؛ لكنها اقتربت وتلاقت بحكم الضرورة والحاجة والأولويات، وكانت الوسائل كما تكون المسألة تكن بتحولات وثوابت، ومن وراء هذا المضيق يولد فرش الفضاء يجمع و يعيد هندمة ملابس الحضارات ؛ صناعة عبقرية صنع تشرنق شيء أو أشياء بالمعطي الإنساني ، منجز حضاري ، استمرار وبقاء لديمومة الحضارات، ومن أجل تحقيق عمارة الكون يتم تتبع السير للفوز بالغايات ، فتم تجسير معاملات لوصل المكان بالزمان، وتبقى العلاقات فواصل والتحامات وفق إشارة المرور علي جسر الزمن بنظام عمل يسقط عبله ليبقى هندسة رصفه ووصفه ، طرق تقابل دون مخالف ربط خطوط بلطف لف خيوط ، صنع نسج بثابت ما فيه وكنه متحوله ، هكذا تتقابل الحضارات وتلتقي آليات التعاون بين الدول و الشعوب ، تعاون بسبيل مستقيم بأشكال من التعامل ، بشخوص تفعل وهي تصنع الحدث، تتفاعل بحيثيات مختارة منتقاة ، وتبقى المصالح تتصالح في شراكة نفع بمشترك القواسم٠
٠٠ ومصر والصين من أقدم الحضارات علي وجه الأرض ؛ بل يوجد تشابه كبير بين ناس مصر وأناسي الصين فى استعمار الأرض، وخلط ما صاغه الفاعل البشري بمفعول الموارد فوق الأرض وتحتها٠
والمعادل الموضوعي في حضارة مصر وحضارة الصين ، طلبية وجود بناء فى الكون اسس كيانات بقاء لدورة الحياة ، وهانحن نشهد وتيرة تعاون في مجال الزراعة بين مصر والصين، تعاون لم يأت من فراغ ، بل الأصل العودة إلي ملء فراغ كان مزدهرا بين مصر والصين، خلدته الأثار والنقوش على المعابد وجدران المقابر وسطور طولية وافقية على أوراق البردي ومسمارية الكتابة البابلية، وبهذا التراثي المعاملاتي يمكن ملء الفراغ بتعاون مصري صيني حاليا تعضده تاريخية حقيقية تحققت بحق؛ وتعد الحاجة المعاصرة للبلدين بكون هنا و كينونة هناك هي الحاجة الفيصل الذي يخترع شكل التعاون الزراعي المصري الصيني حاضرا وفق مشروعات كبرى تنفذ الآن علي أرض الواقع علي أرض مصر ، بداية من دراسة الجدوي إلي تنفيذ العمل الجاد٠
لذا تبعث فينا علاقة تعاون مصر والصين قيامة من الزمن المعروف وليس الزمن المفقود ، ونحن بسبيل السرد عن مشروعات بين البلدين الآن نجد التاريخ يشدنا برفق العودة بحماسة قاعدة _ من ليس له ماض ، فلا حاضر له ولا مستقبل _ وكأن الزمان قد صنع _فلاش باك _ بين الصين ومصر ليس من تلقاء نفسه بل بمؤكدات صدقية تجارب مصر والصين فى غابر الأزمان فى الزمن العاتي ، بتليد ظهوره ، بمؤسس تاريخه في الزمان الأول ، فقظ كان التعاون الزراعي والتجاري ككل بينهما _ مصر والصين _ قديما فى مجالات معلومات فيعود التعاون معاصرا بمعاملات معدودات معلومات ٠ وما يهمنا هنا هو ٠٠ مجال الزراعة توريدا وتصدير ا ومن قبل مساهمات الأعلي تزريعا بمشترك الخبراء وفحوي ذراع عقول الخبرات من البلدين٠
مرت على مصر والصين تقطير شراكة بينهما فكان الفراعنة القدماء ثم العصور الوسطى ثم العصور المتأخرة قبل مصر الإسلامية تجمعهم محطات تبادل زراعي حيث فضل الصينيون المحاصيل الزراعية المصرية كافة كما استحسنت مصر محاصيل صينية زراعية٠
كانت مصر والصين وشبه الجزيرة العربية أو بلاد العرب في تعاون وشراكة وتبادل تجاري ، ومصر كانت رمانة الميزان أو حامي حمي تلك العلاقة لتلك التجارة ، فمصر ساعدها فى ذلك موقعها الجغرافي الذي يربط بين آسيا وافريقيا وأيضا أوروبا، إذ كان المصريون القدماء يسوقون بضاعتهم وبضاعات افريقيا ونقلها إلى دول العرب والهند والصين واوروبا مثل مجموعة محاصيل زراعية وبخور وذهب وحيوانات ومنفعة ذات مثيل ، ينقلونها من مصر والرسو فى فلسطين ثم التحرك من جنوب كنعان إلي جبيل بلبنان والاناضول واليونان وكريت ثم التوجه إلى شبه الجزيرة العربية شرقها ووسطها ثم يقسمون أنفسهم إلي فريقين عند استهدافهم قارة آسيا تجاريا، يقومون برحلات ا حداها إلى الهند والثانية إلي الصين وأفغانستان ، وهكذا قوي التعاون والتبادل التجاري وشهدت عصور الملك نارمر _ ٣٢٠٠ ق م وابان فترة حكم نقادة الأولي ٣٩٠٠ ق م / ٣٦٥٠ ق ٠م ثم مع مملكة نقادة الثانية ٣٦٥٠ / ٣٣٠٠ وتعددت موانئ مصر فى تلك العهود حيث لعبت أدوارا تجارية فميناء جنوب القصير وميناء برينكي / رأس بناس حاليا وميناء فيلو مترا جنوب سفاجا وميناء ارسينوي السويس حاليا وميناء ميو ش هرموش شمال الغردقة كلها موانئ جندت لحمل المحاصيل الزراعية والصمغ والعاج والنحاس والأحجار الكريمة وغيرها من بضائع إلي شبه الجزيرة العربية والهند والصين ، وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس ملابس مصرية كانوا يسمونها " القباطي " كما شاع اسم تاجر عربى _ زيد آل زيد _ يبدو أنه كان شهبندر التجار العرب كان يتردد كثيرا على مصر ومعه تجار صينيون كما كانت فيما بعد بضاعة السيدة خديجة زوج النبى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي سفيان بن حرب وأغنياء وأثرياء العرب تستمد نشاطها التجاري من بضاعة المصريين المتميزة المخزنة في الشام ترانزيت تجاري٠
٠٠ إذن بين مصر والصين تلامس تجاري بختم التاريخ المعتمد لا بتزوير الحكي وتزييف الأساطير ٠٠ و بعيدا عن نيات تعصب عرقي لمصر، بل بصدقية منطق التاريخ نقرأ ما يؤكد أن الحضارة المصرية ليس لها مثيل ولا نظير ؛ لكن يوجد تشابه بين الحضارتين الصينية والمصرية _ زراعيا مثل ذلك التشابه فى وجود نهر لشرب الماء وسقيا الزروع والحيوانات فنهر النيل فى مصر يجرى من المنبع في المصب ، وكذا الصين النهر الأصفر _ ومعه نهر _ بانجنزي _ فهما نهران فى الصين ؛ لكن فى مصر كانت سبعة أنهر استمر اثنان منهما حتي عصر الخديو إسماعيل وبقى نهر النيل وإن شاءالله سيبقى أبد الدهر نهاية عصر العالم أجمعين ، فحضارة الصين ومصر مشتقة من حالة حياة نهرية ومثل الفراعنة فى مصر ملوك ثم فراعنة ثم نظام حكم وصولا إلي عصر الاسرات ، كذلك يوجد وجه شبه بين مصر والصين ، ففى الصين كان حكم أسرة شيا عام ١٠٠ قبل الميلاد ثم شيانغ ١٧٠٠ / ١٠٤٦ ثم مملكة تشو ١٠٤٥ ق م ، وعندنا الملك مينا أو نارمر قد وحد القطرين ففي الصين وحد_ تشين شي هوانغ _ الممالك الصينية المتحاربة عام ٢٢١ ق م وربما هذا التشابه دفع كلا من مصر والصين إلي التعاون الاقتصادي خاصة فى المجال الزراعي والتبادل التجاري ٠
٠٠ وعلي خلفية فضاء زراعات مصر والصين وتعاونهما كان العرب يقيمون شكلا اقتصاديا يعقدون اتفاقيات شراكة تجارية بين الحضارتين المصرية والصينية ، وذلك قبل الاسلام بسنوات ، ففي عهد الامبراطور الصيني _ ووتي _ أي في عام ١٣٩ ق م نشأت علاقة تجارية بين مصر الفرعونية والصين وبينهما العرب ، حيث يذكر التاريخ وجود علاقات تجارية ، فمع الصين أقام ملك الحيرة " النعمان بن المنذر بن ماء السماء ٥٥٢ /٦٠٨ " علاقة تجارية مع الصين فقد أرسل عشرة أشخاص من عنده إلي امبراطور الصين _ ووتي _ رجال لديهم خبرة اقتصادية وعندهم فصاحة تؤتي أكلها فى إقناع التفاوض علي ترابيزة الإجتماع ، بينهم وبين امبراطور الصين _ ووتي _ اتفاقية بقبول شكل مرض من التعاون الاقتصادي للحصول على المحاصيل الزراعية ، فتمت التجارة بين العرب والصين ، واستقرت عند ثوابت اتفاقاتها لا تتبدل وإن تغير نظام الحكم هناك وهنا ، فالتجارة تبقي تجارة فهي ضرورة معاش لازمة حياة ، وطالما الأرض تخرج مافيها من زروع وتلقى ما فيها وقد تخلت بقديم زرع إلي جديده في التربة نفسها فالبشر تعلموا من الأرض الابقاءعلي الثابت وترك المتحول تروده السياسة ، ثم تكبر العلاقات العربية المصرية الصينية .
وعندما جاء الإسلام بنور صبحه ، بأبيض فجره ، بشروق شمسه ، بشباب ضحاه لم تختف تلك العلاقة ، ولكنها مع بعثة النبي صلي الله عليه وسلم استجمعت تلك العلاقة متفرق خطواتها فقد وافق النبي محمد صلى الله عليه وسلم على بقاء تلك العلاقة بين الصين ومصر وتجار المدينة المنورة ، والذي جاء بجديد أو جدد العلاقة الاقتصادية هو استنفار روح الصينيين وحب معرفتهم بسؤالهم عن هذا الدين الجديد _ الإسلام _ الذي ظهر فى أرض العرب ، واهتم الصينيون بحسن معاملات التجار العرب ٠٠ صدقية تعامل ، لا كذب فى الاتفاق الاقتصادي ، لا غش في دفع ثمن البضائع ووجدوا صدق تعاملات ترتكز على مرجعية دينية فقه _ شريعة المعاملات ومنهح ملة العبادات _ ووجد الصينيون أنفسهم وهم يشاهدون التجار العرب المسلمين يتقاسمون الزاد فيما بينهم في المأكل والمشرب شرب ماء حلال وابتعاد عن شرب الخمور ، لايذهبون إلى المواخير المنصوبة فى الصين ، ولا يسألون عن بيوت اللهو والموبقات كما يفعل تجار صينيون محليون وتجار أغراب ! هنا وقف الصينيون وقفة مراجعة الفائت والحالي تأملات بحاضرهم ، هنا تحركت أرواحهم و كان بعضهم يعتنق وهو يعتقد في تعاليم _ كونفوشيوس ٥٥١ / ٤٧٩ ق م _ الحكيم الصيني .
وهاهم قد وجدوا شيئا أخر فى الإسلام ، قرآن يتلي وصلوات تؤدي وصيام من الفجر إلى غروب الشمس ، ومع ذلك حركة نشطة في التجارة لم تؤثر في عملهم ، لم تصرفهم فيهملون ما هم فيه من تفاعل بنشاط تجاري ، هذه هي أخلاق ا لتجار العرب ومعاملاتهم والصينيون يسمون تجارالعرب _ " اشي " بالصينية تعني تاجر عربى مسلم تناثرت جماليات التعامل التجاري تناقلتها الألسن تسمعت لها الاذن ، فعلم امبراطور الصين من حراسه وخاصة موظفيه عن أحوال التجار المسلمين وظهور نبي بينهم ، وتصادف الظرف الزمني في الصين وقتها مع مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لكبار حكام العالم حينها ، حيث أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسائل مكتوبة مع نفر من الصحابة إلي كسري حاكم الفرس/ إيران وإلي هرقل ملك الروم وإلي المقوقس عظيم القبط / مصر برسائل تدعوهم إلى الإسلام ؛ فطلب إمبراطور الصين " تاي زونغ أو سووين تي " من التجار المسلمين أن يخاطبه رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالة عن هذا الدين الذي ليس فيه وثنية تعبد أو خرافات عبادة أوغموض تهويمات كهنوت .
ولم ينتظر إمبراطور الصين بل أرسل وفدا صينيا مع التجار العرب وهم في رحلة العودة من الصين إلي شبه الجزيرة العربية لمقابلة النبى صلى الله عليه وسلم خاصة وأن الإمبراطور رأي رؤيا منامية ملخصها أو مفادها ٠٠ أن حيوانا يطارد ه وهو يحاول الهروب منه بعد أن عجز عن مقاومته ، وهنا يظهر رجل و قور يعتمر بعمامة بيضاء فوق رأسه، جميل المحيا صبيح الوجه ينقذ الإمبراطور _ تاي زونغ أو سووين تي _ من الوحش فيبعده عنه حتى جعله في مأمن لايصل اليه هذا الوحش ، يستيقظ الإمبراطور ثم يقص رؤياه علي خاصة الملأ من أهله ومن رجال الإدارة و بعض حواريه المقربين ، يستعين بمفسري الأحلام ، فيفسرون له حلمه المنامي بأن ذلك الذي ينقذ ه هو النبى العربى محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وقيل : إن الإمبراطور أراد أن يتأكد من شكل المنقذ الذي رأه فى المنام فأرسل رجلا رساما ضمن وفده إلى المدينة لمقابلة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قيل أن الرسام رسم وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعطى بعد ذلك الرسم إلى الامبراطور الصينى _ تاي زونغ _ فتأكد حين وقعت عيناه علي عمل الرسام خاصته أنه فعلا هو ذلك الرجل الذي شاهده مناما ، ونال الرسم إعجاب الامبراطور الأمر الذي جعله يعلق الرسم أ على مكان في بلاط قصره ، الرحالة العربى " ابن وهب القرشي ٢٥٦ هجرية / ٨٧٠ ميلادية " " اتيحت له زيارة الصين سنة ٨٧٠ ميلادية وقال : إنه شاهد فعلا هذا الرسم فى دار حكم الامبراطور ٠
٠٠ فمن خلال التبادل الاقتصادي الزراعي العربى المصري الصيني عرف الإسلام طريقه إلي الصين ، فالمشاهد المعمارية في الصين قادت علماء التاريخ والاثار إلي اكتشاف مسجد قديم في مدينة كانتون / فوانغتشوا حاليا بجنوب الصين عليه لافتة اويافطة تحمل اسم صحابى هاجر إلى الصين بعد هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلي المدينة اسم ذلك الصحابي _وهب بن رعشة _ قيل إنه دعا الصينيين إلي الإسلام٠
كما يوجد قبر أو ضريح يزعمون أنه للصحابي " سعد بن أبي وقاص ٥٩٥ / ٦٧٤ " رضي الله عنه ، خال النبى صلى الله عليه وسلم منقوش عليه ( قام بمسيرة طويلة من محيطات بعيدة ، جاء إلى المشرق يدعو إلي الإسلام دين حياة يدعو إلى نشر الحق ، وفى الصين نال الاحترام منذ قرون ) لكن الثابت تاريخيا أن سعد بن أبي وقاص مات في المدينة ودفن بالبقيع ، ربما المسجد يحمل اسمه كما تحمل مساجد في الدنيا جميعا أسماء صحابة وهم لم يسافروا إلي تلك الأماكن ٠٠ ربما ٠
٠٠ الامبراطور الصيني " هونغوو " الذي حكم الصين في الفترة من عام ١٣٦٨ إلي ١٣٩٩ شجع علي التبادل التجاري الزراعي المصري الصينى العربى ، وكان يعقد جلسات ثقافية مع تجار مصريين وكذا التجار العرب الذين يصلون ببضاعتهم إلى الصين وروي عن هذا الامبراطور _ هونغوو _ أنه ألف قصيدة تمدح الإسلام نفتطف بعضا منها :
منذ أن خلق الإله الكون كان قد قرر إرسال هذا الرجل المبشر العظيم فكانت من العرب ولادته وتلقى كتابا مقدسا كتاب من ثلاثين جزء لهداية جميع المخلوقات فهو سند كل الحكام وقائد القديسين
المؤيد من السماء لحماية أمته بصلوات خمس يوميا .
٠٠ وهنا نتوقف بتلك السطور بقدر ما في هذا السرد ، ونوقف تنقل الاستطراد ، ثم نتابع تقدير سطور السرد فى مقال تال لاحق لسابقه أي لهذا المقال ، فالكلام عن التعاون الزراعي المصري الصيني يحتاج إلي سطور تتحدث بشيء من التوسع مع الإلتزام بقاعدة ( كلما ضاقت العبارة وسعت الفكرة ).