يا فِتيَةَ النيلِ السَعيدِ خُذوا المَدى وَاِستَأنِفوا نَفَسَ الجِهادِ مَديدا
وَتَنَكَّبوا العُدوانَ وَاِجتَنِبوا الأَذى وَقِفوا بِمِصرَ المَوقِفَ المَحمودا
« أحمد شوقى »
أثبتت الأحداث الأخيرة أن المصريين كعادتهم على قلب رجل واحد حين يستشعرون خطرا يمس بلادهم، فرب ضارة نافعة، ففى الأيام الأولى من أحداث السابع من أكتوبر فى قطاع غزة وما تلاها من أحداث، كانت وما زالت القيادة السياسية برئاسة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، منتبهة أشد الانتباه إلى ما يجرى فى غرب مصر، ولهذا كان التوجه السياسى لمصر من بداية هذه الأحداث قويا جدا وعلى مستوى الخطر الذى استشعرته القيادة السياسية على مصر، والانتباه الجيد للأطماع الواضحة والخافية فى مصر وأراضيها..
كانت التحركات المصرية ومازالت على قدر الحدث وعلى قدر هذه المخاطر، فتم عقد مؤتمر دولى للسلام كان من عناوينه البارزة رفض تهجير الإخوة الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء، وكان ومازال الرئيس عبد الفتاح السيسى حاسما فى هذا الملف عندما أعلن أن الأراضى المصرية «خط أحمر»..
لم يكن غريبا لدى المتابع الدقيق والمحب لمصر وللمصريين، أن يجد هذا الالتفاف من كامل طوائف الشعب المصرى بمختلف توجهاته السياسية، يمينا وأقصى اليمين أو يسارا وأقصى اليسار، حول القيادة السياسية المصرية فى رفض الأطروحات الغريبة التى تتنافى مع القوانين الدولية وتتنافى أيضا مع الأعراف العالمية، وفى دعم السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى فى موقفه الرافض لتهجير الفلسطينيين..
فللشعب المصرى، ومصر على مدى تاريخها القديم والحديث والمعاصر، ارتباط وثيق بالقضية الفلسطينية منذ حرب 1948 وحتى كتابة هذه السطور، ارتباط دم وشهداء وقعوا نتيجة الحروب المباشرة التى وقعت بين مصر وإسرائيل فى 48 و65 و67 و1973، وصولا إلى اتفاقية السلام، فضلا عن أن المصريين لم يفرطوا فى كيلو متر هو مساحة أرض طابا فى سيناء، ولجأنا إلى التحكيم الدولى حتى عادت طابا إلى حضن مصر..
لكن الغريب هو ما يظنه البعض، أن مصر وقادتها وجيشها وشعبها قد يقبلون بأى شكل من الأشكال التفريط فى حبَّة رمل واحدة حتى إن كانت للأشقاء الفلسطينيين، فأرضهم فى غزة والضفة الغربية والقدس أولى بهم وليست الأراضى المصرية..
إذا كان هذا قدر مصر على مدى تاريخها، فإن مصر قيادة وشعبا على قلب رجل واحد أيضا فى الحفاظ على حقوق الإخوة الفلسطينيين فى أرضهم ودولتهم المستقلة وعاصمتها القدس..
يبقى أن نحافظ على هذا الوعى وهذا التلاحم والالتفاف الشعبى وعدم السماح للأيدى المأجورة التى تنشر الإشاعات على وسائل التواصل الاجتماعى بهدف نثر بذور الفتنة بيننا حتى يستطيعوا تحقيق أهدافهم، فهذا التلاحم وهذا الترابط هو الأشد إزعاجا والأقوى تأثيرا لمنع هذه المخططات الشيطانية التى تستهدف وحدة مصر والمصريين، ولِمَ لا.. وهذه الوحدة وهذا الترابط فى مصر هو حجر العثرة الذى تتكسر أمامه كل الخطط والمؤامرات؟!
من حسن الطالع أن نستقبل شهر رمضان الكريم وسط هذه الأجواء الساخنة فى المنطقة لنتذكر معا كيف تمكن المصريون فى العاشر من رمضان، من «قهر» ما تم الإطلاق عليه بأنه «المستحيل» بل وصلت ادعاءاتهم أنها مستحيلات ثلاثة، الأول عبور قناة السويس التى ستتحول إلى جحيم من نار مع أول عبور لها. الثانى خط بارليف الذى يحتاج إلى القنبلة الذرية لتحطيمه. الثالث الجيش الذى لا يقهر وهو الجيش الإسرائيلى..
لكن هذا الجيش وذاك الخط تم قهره تحت بيادة الجندى المصرى فى العاشر من رمضان الموافق السادس من أكتوبر 1973 وتم العبور والانتصار بعزيمة وتخطيط وعلم وصبر الجيش المصرى والشعب المصرى، وكما قال السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى فى إحدى الندوات التثقيفة للقوات المسلحة: «من فعلها مرة قادر أن يفعلها مرات أخرى».
والجميل أن تتواكب ذكرى العاشر من رمضان فى شهر مارس هذا العام وهذا الشهر الذى نحتفل فيه أيضا بذكرى «عودة طابا كاملة لنا»، ففى 19 مارس 1989 كان رفع العلم المصرى على طابا بعد الحكم التاريخى من محكمة العدل الدولية، بأن طابا مصرية، وذلك بعد مجهود ضخم لفريق عمل سياسى وحقوقى مصرى على أعلى مستوى، قدم الحجج والدلائل على مصرية طابا، وكعادتهم حاول الإسرائيليون المماطلة والالتفاف حول الحكم وتقديم الأفكار البديلة، ووضع العراقيل، ووقفت القيادة السياسية فى مصر حينها موقف صلبا لا يلين بعدم التفريط فى متر واحد من الأرض المصرية، وقد حسم هذا الموقف الصلب القضية، وتسلمنا طابا فى 19 مارس ورفعنا العلم المصرى عليها لتصبح إحدى نقاط الجذب السياحى لمصر فى سيناء.
لا يستطيع أحد أن ينكر حجم الضغوط التى تُمارس على مصر، بل على المنطقة العربية كلها، ولكن هذه الضغوط والممارسات أكدت بما لا يدع مجالا للشك أهمية الترابط العربى العربى، وأكدت أيضا أن مصر وشعبها وجيشها هى عمود خيمة المنطقة ككل.
فعن عمرو بن العاص رضى الله عنه، قال: حدثنى عمر رضى الله عنه أنََّه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إذا فتح الله عليكم مصر بعدى فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض»، فقال له أبو بكر: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: «لأنهم فى رباط إلى يوم القيامة». صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وكل عام وكل شعب مصر وجيشه وقائده بكل خير بمناسبة شهر رمضان الكريم وبمناسبة الاحتفال بالعاشر من رمضان وبذكرى عودة طابا فى 19 مارس..
وَللهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ.
حَفِظَ اللهُ مِصْرَ وَحَفِظَ شَعْبَهَا وَجَيْشَهَا وَقَائِدَهَا..