للنّاس من عبر التّاريخ موعظة وحكمةٌ من مآسى الدّهر والمحن
والمرء يحصد فى دنياه ما زرعت يمناه من سيئ فى النّاس أو حسن
« إبراهيم المنذر »
مما لا شك فيه أن الصناعة والزراعة هما جناحا الأمن الاقتصادى واستقلال القرار السياسى للدول عامة، وأثبتت الأيام والتجارب المحيطة أهمية أن تمتلك مصر قرارها السياسى واستقلالها الاقتصادى، وهذا أصبح أمرا لا تملك الدول رفاهية الاختيار فيه.
وفقا لتقرير وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى، صدر فى نهاية العام الماضى، فإن قطاع الزراعة يسهم بنسبة 12 % تقريبًا فى إجمالى الناتج المحلى الإجمالى، كما أنه يُعد من أكثر القطاعات إسهاما على مستوى التشغيل، كما يُسهم قطاع الصناعة بنسبة 14 % فى الناتج المحلى الإجمالى.
مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى انتبهت مبكرا لهذا الأمر، بدليل المشروعات الزراعية العملاقة التى قامت وتقوم بها الدولة المصرية فى مختلف المواقع والتى بدأت بمشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان، وخلال فترة وجيزة سيصل هذا الرقم إلى 4.5 مليون فدان ستضاف إلى الرقعة الزراعية المصرية.
استصلاح هذه المساحة الكبرى على مدى تاريخ مصر ليس بالأمر الهين أو السهل، بل استلزم الأمر مجهودا كبيرا فى توصيل شبكات المياه وحفر الترع وإنشاء محطات رفع المياه وإنشاء محطات توليد الكهرباء وتمهيد الطرق وإنشاء محطات عملاقة لتحلية المياه وإعادة استخدامها فى الزراعة.
مجهود ضخم قامت به الدولة المصرية من خلال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بما تملكه من إمكانات هائلة وقدرة على تنفيذ هذه المشروعات فى زمن قياسى حتى تحقق هذه المشروعات أهدافها.
أُعيد إحياء مشروع توشكى بعد أن توقف ولم يكن ليعود إلى الحياة لولا إصرار السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى وقدرات الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وإمكاناتها.
فى مشروع مستقبل مصر ثمة معجزة حقيقية فى مد الترع وإنشاء محطات الرفع والتحلية وتمهيد الطرق وإقامة الصوامع. الأمر يتكرر فى العوينات وفى سيناء شمالا وجنوبا وفى كل رقعة من أرض مصر قابلة للزراعة.
هذه المشروعات التى قامت إلى جانب ما سبقها من مشروعات الاستزراع السمكى فى بركة غليون وفى الفيروز وعلى امتداد قناة السويس، فضلا عن مشروعات الصوب الزراعية.. هذه المشروعات الزراعية العملاقة التى تعد وبحق معجزة بكل المقايس أسهمت فى نسبة مشاركة القطاع الزراعى فى الناتج المحلى الإجمالى إلى ما يقارب من 12 % فضلا عن إسهامها فى التشغيل ومكافحة البطالة.
ليس من الغريب أن يرتفع حجم الصادرات الزراعية- وفقا لـعلاء فاروق وزير الزراعة- الذى أعلن أن صادرات مصر الزراعة بلغت 8.6 مليون طن خلال عام 2024 بزيادة أكثر من 1.1 مليون طن على عام 2023.
من حسن الطالع أن يتولى الفريق كامل الوزير وزارة الصناعة إلى جانب وزارة النقل، فهو رجل لا يعرف إلا العمل المستمر والحل الفورى لأى مشكلة، فأعتقد أنه يعمل طوال اليوم بأكمله، ومنذ أن كان مسئولا عن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة ومشرفا على مشروع قناة السويس الجديدة التى استطاع أن يحقق المطلوب فى زمن قياسى بناء على توجيه الرئيس فى حينها، وهو ينبئ بأنه رجل على قدر كبير من المسئولية وعشق الوطن، واستمرت هذه الميزة عندما تولى وزارة النقل واستطاع أن يحقق طفرة هائلة فى مختلف قطاعات النقل وتحديث أسطول النقل المصرى كافة، ولهذه الأسباب أتوقع أن يحقق القطاع الصناعى فى مصر طفرة غير مسبوقة، خاصة أنه يتولى الإشراف عليه رجل لا يهدأ إلا بعد أن يحقق النجاح.
بذلك يكون القطاعان الزراعى والصناعى، وبحق، جناحى تحقيق التنمية والأمن لمصر، خاصة أن الزراعة والصناعة لا تتأثران كثيرا بالعوامل الخارجية مثل قطاع السياحة الذى تأثر تأثرا شديدا فى أثناء جائحة الكوفيد.
فى الاتجاه نفسه، عقد رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى عددا من الجلسات المهمة مع رجال الأعمال والمستثمرين المصريين، وقام بتشكيل عدد من اللجان المتخصصة فى القطاعات المختلفة بهدف تعزيز التواصل مع القطاع الخاص. أكد الدكتور مصطفى مدبولى أن اختيار اللجان والأعضاء بُنى على أسس واضحة للغاية لنا، تتمثل فى أن هذه اللجان تمثل عصب الاقتصاد المصرى، كما تخص الشأن العام مثل لجنة الشئون السياسية، ونستهدف أن نبدأ مرحلة جديدة قوية تعنى بتعزيز الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، وكل الخبراء والاستشاريين الذين يهدفون إلى الصالح العام للدولة المصرية. مؤكدا أن السادة أعضاء اللجان قامات كبيرة ومتخصصون فى مجالاتهم، ولذا فقد وقع الاختيار على هؤلاء الأعضاء بناء على تلك الخبرات الهائلة سواء كانت خبرات أكاديمية وعلمية أو عملية وتطبيقية من واقع التنفيذ الفعلى على الأرض، وذلك من خلال مشروعاتهم الناجحة والرائدة فى مختلف مجالات القطاع الخاص، وعلى الخبراء المصريين الوطنيين.
نعم مصر مرت بظروف غير مسبوقة ولكن هذه الظروف خرجت منها الدولة المصرية أكثر قوة وأكثر صلابة، فالمصريون على قدر التحدى. يكفى رد الفعل الشعب المصرى الذى صدر عقب تصريحات رئيس الولايات المتحدة الأمريكية والخاصة بتهجر الفلسطينيين، رد الفعل الشعبى توافق تماما مع القيادة السياسية التى عبرت عنه منذ بدء الأزمة الفلسطينية فى 7 أكتوبر 2024، وكانت الإدارة المصرية منذ هذا التاريخ منتبهة جدا، بل قامت مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى بالتأكيد مرارا وتكرارا أن الأراضى المصرية خط أحمر، وأن هذه الفكرة مرفوضة تماما على جميع المستويات، وأسست الإدارة المصرية قرارها على أن هذا هو لتصفية القضية الفلسطينية، وأن هذا الأمر غير مقبول. إن ما يجرى حولنا يدفعنا دفعا إلى العمل الجاد للحفاظ على ما تم تحقيقه من مشروعات ومن إنجازات بل إننا بحاجة إلى العمل الجاد، فـ 12 % من الناتج المحلى للقطاع الزراعى لا تكفى، ولا 14 % من الناتج المحلى الإجمالى للقطاع الصناعى أيضا، خاصة مع التزايد المستمر للسكان. الأمر يتطلب عملا مبدعا ومخلصا لزيادة إسهام قطاعى الصناعة والزراعة فى الناتج المحلى الإجمالى ولزيادة الصادرات المصرية فى القطاعين، واستغلال أى فرصة أو طريقة لمضاعفة معدلات الإنتاج.
فى هذا السياق، أطلقت الهيئة الوطنية للصحافة بقيادة المهندس عبد الصادق الشوربجى موقع مجلة «الأهرام التعاونى والزراعى» على شبكة الإنترنت، وذلك بهدف خدمة القطاع الزراعى والتعاونى، وتقديم الأفكار والطرق المبتكرة التى تساعد على زيادة معدلات الإنتاج. ونحن بمجلة «الأهرام التعاونى والزراعى» الصادرة عن مؤسسة الأهرام بقيادة الدكتورمحمد فايز وموقعها الإلكترونى الجديد نأمل فى أن نقدم خدمة إعلامية متكاملة للقطاع الزراعى والتعاونى فى الفترة المقبلة. وَللهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ. حَفِظَ اللهُ مِصْرَ وَحَفِظَ شَعْبَهَا وَجَيْشَهَا وَقَائِدَهَا..
[email protected]